السنة للإنسان إذا صلى أن يرمي ببصره إلى مكان سجوده، والمسجد: مكان السجود، على وزن (مَفْعِل)، والمراد به موضع سجوده، وذلك لما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أنه رمى ببصره إلى موضع سجوده)، وكان إذا تشهد رمى ببصره إلى إصبعه وهو يشير بها صلوات الله وسلامه عليه لا يجاوزها، فقال: السنة في القيام الرمي بالبصر إلى موضع السجود.
أما إذا ركع فقال بعضهم: يرمي ببصره إلى رؤوس قدميه؛ لأنه أبلغ في الذلة وقال بعضهم: إلى موضع السجود.
والأولى: الكف في هذا حتى يثبت الخبر، ويترك الناس على سعة ولا يحدد لهم شيءٌ معين؛ لأنه لا تحديد من الشرع.
فالسنة أنه إذا قام يرمي ببصره إلى موضع سجوده، لكن لو رمى ببصره إلى أمامه، إلا أن يكون في اضطرار كالخوف في صلاة الخوف، فلا بد أن يرمي ببصره أمامه، فالله عز وجل حينما قسّم طوائف المؤمنين في القتال في صلاة الخوف إنما شرع أن تكون الطائفة الثانية قائمة وراء الطائفة الأولى عندما تسجد من أجل مراقبة العدو، ففي هذه الحالة لا يكون من السنة الرمي بالبصر إلى السجود، وهذا من باب تقديم مصلحة فوات الأنفس على الخشوع المتعلق بالصلاة، فهذه من صورها ومن أمثلتها، وقد ثبت في حديث عباد بن بشر أنه لما صلى رمى ببصره إلى الشعب يحرسه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن اختلف العلماء: هل الأفضل أن يرمي المصلي إلى موضع سجوده أو ينظر أمامه؟ قال بعض العلماء: الأفضل أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده، لما ذكرناه وقال بعضهم: الأفضل أن يرمي ببصره قِبَل وجهه، وذلك لقوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة:١٤٤] قالوا: فهذا يدل على أن وجهه يكون إلى جهة القبلة، وأنه لا يرمي ببصره أكثر.
وأكدوا هذا بما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم -وهو في الصحيح- أنه قال:(أميطي عنا قِرامَك، فإنه ما زالت تصاويره تُعرض عليَّ آنفاً حتى ألهتني عن صلاتي) قالوا: هذا يدل على أن القرام كان ستراً ولا يمكن أن يراه عليه الصلاة والسلام إلا إذا رفع بصره، فدل على أنه كان يرفع بصره.
والذي يظهر والله أعلم أن السنة أن يرمي ببصره إلى موضع السجود، وأنه لا حرج أن يرفع بصره أحياناً؛ لأنه قد يدفع إنساناً ماراً أمامه، وقد يحتاج إلى شيءٍ من هذا القبيل، أما السنة فرمي البصر إلى موضع السجود.