قال المصنف رحمه الله:[وإن استثنى بقلبه من عدد المطلقات صحّ دون عدد الطلقات].
سبق وأن ذكرنا في أول الطلاق أن التقسيمات والتفريعات عند العلماء نسبية، فتارةً تقول: الطلاق ينقسم من حيث الحكم إلى سني وبدعي، ومن حيث الأثر وحكم الرجعة ينقسم إلى رجعي وبائن، والبائن إلى بائن بينونة صغرى وكبرى على التفصيل الذي قدمناه.
وهنا بالنسبة للاستثناء من حيث الظاهر والباطن -وهي نسبته إلى اللفظ وعدمه- ينقسم إلى استثناء باللفظ واستثناء بالقلب، استثناء باللفظ يقول: نسائي طوالق إلا خديجة، فقد تلفظ بالمستثنى وحينئذٍ لا إشكال، والنوع الثاني: أن يكون الاستثناء قلبياً؛ فإن كان الاستثناء لفظياً فيؤثر في المطلقات وعدد الطلقات وجهاً واحداً عند العلماء، وإن كان الاستثناء قلبياً وباطنياً فإنه في هذه الحالة يفرّق بين عدد الطلاق وبين المطلقات، ففي عدد الطلاق لا يؤثر على تفصيلٍ عند العلماء سنشير إليه من حيث الجملة، ومن حيث عدد المطلقات يؤثر.
فلو قال: نسائي طوالق، ونوى في قلبه إلا خديجة، أو نوى بنسائه الطوالق اللاتي هن موجودات في الغرفة دون اللاتي خارج الغرفة، أو اللاتي موجودات في المدينة دون اللاتي في مكة، أو في موضعٍ آخر، صح استثناؤه فيمن نوى استثناءها وتطلق الباقيات.
ولكن في مسألة الاستثناء في عدد الطلاق، قالوا: إذا قال: أنت طالقٌ ثلاثاً، لو فتحنا الباب وقلنا: إن الاستثناء بالقلب مؤثر لتلاعب السفهاء، والمصلحة تقتضي أنه يؤاخذ بظاهره، إضافةً إلى أن أصول الشريعة تؤكد هذا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس)، فهو لو قال لامرأته أنت طالق طلقتين، أنت طالق ثلاثاً، ونوى بقلبه إلا طلقة، قالوا: تطلق طلقتين في الأولى وثلاثاً في الثانية، ولا يعتد باستثنائه القلبي، هذا في قول طائفة من العلماء.
وقال بعض العلماء: ينفعه ديانةً ولا ينفعه حكماً وقضاءً، أي: بينه وبين الله عز وجل ينفعه هذا الاستثناء، وبينه وبين الناس وفي حكم القضاء لا ينفعه، والقول الأول لا شك أنه أورع وأشبه وله قوة، بخلاف مسألة شُبهة الإسناد لمحل الطلاق فإنه يضعف الإسناد ما لم يسند، فقوي أن يستثني ويعتد بنيته ما لم يكن ذلك في عدد الطلقات.