للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التيمم عند تعسر شراء الماء]

قال رحمه الله: [أو زاد على ثمنه كثيراً أو ثمن يعجزه].

(أو زاد على ثمنه) أما إذا لم يجد الماء فقول واحد عند العلماء أنه يتيمم، وإن كان هناك خلاف في التفريق بين السفر والحضر، لكنه خلاف ضعيف، فإذا فقد الماء فإنه يتيمم لدليلين: الدليل الأول: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة:٦] وكذلك من السنة: (الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين) فهذان النصان من الكتاب والسنة نصّا على استباحة رخصة التيمم عند فقد الماء.

الدليل الثاني: أنه إذا فقد الماء تعذّر عليه أن يغتسل أو أن يتوضأ، والتكليف إنما يكون بما يمكن، أي: أن الله يكلف المكلف بما في وسعه لا بما ليس في وسعه، فلما كان ليس بوسعه أن يوجد ما ليس بموجود سقط عنه التكليف بطلب الماء، وأصبح مرخصاً له أن يتيمم.

وقوله: (أو ثمن يعجزه).

في هذه المسألة: الماء موجود، ولكنه لا يبذل للمكلف إلا بمبلغ كبير، كأن يقال له: هذه الزجاجة من الماء ثمنها مائة ريال، فإن المائة قد تعجزه، ولا يستطيع دفع هذا المبلغ الذي هو قيمتها، أو يستطيع دفع المبلغ لكنه يعتبر ثمناً كثيراً في مقابل الماء، فعندنا حالتان في قيم الماء: الحالة الأولى: أن يكون الماء موجوداً وقيمته باهظة، ولكن عنده القدرة على الشراء كأن يكون ثرياً غنياً.

الحالة الثانية: أن يكون الماء موجوداً، ولكن القيمة التي يباع بها هذا الماء سواءً كانت باهظة أو غير باهظة ليست موجودة عنده، فإن فقد القيمة وكانت غير موجودة عنده فهو كالفقد الحسي للماء، ويسمونه الفقد الحكمي، قالوا: فلما كان عاجزاً عن شرائه فكأنه ليس بيده، فهذا لا إشكال في أنه يتيمم ويعدل إلى التيمم.

أما الحالة الأولى لو قال له البائع: لا أعطيك هذا الماء أو هذه الزجاجة من الماء إلا بمبلغ كبير، فقال بعض العلماء: إن إجحافه بالمال ينزل منزلة الفقد، وهذا قول مرجوح، والصحيح: أنه إذا كان ثرياً قادراً على دفع المال فيجب عليه دفعه، فإن أمر الصلاة أمر عظيم، ولا يستكثر أن يدفع المكلف مقابل ركن من أركان دينه هذا المبلغ من المال، ولذلك تقدّم مصلحة الصلاة على مصلحة المال، ولا يعتبر هذا الإجحاف عذراً شرعياً؛ لأن الله عز وجل قال: {فَلَمْ تَجِدُوا} [المائدة:٦] وهذا ليس بفاقد للماء، لا حكماً ولا حقيقة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>