في قول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي:(أمك ثم أمك)، يُشكل علي هذا الحديث أني إذا دخلت على الوالدين فلا أدري من أبدأ بالسلام، وكذا لو اتصلت بالهاتف لا أدري من أطلب منهما، وأخشى لو ابتدأت بالأم أن أجرح الوالد، أو أن يشعر أن في ذلك انتقاصاً له، فما الحل لهذا الإشكال؟
الجواب
من حيث الأصل حق الأم أعظم من حق الأب، وهذا لا إشكال فيه، ولذلك اختار جمع من العلماء أنه لو مات والداه ولم يَحُجا وأراد أن يحج عنهما، فيبدأ بالأم قبل الأب؛ لعظيم حقها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لما سأله الرجل:(من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك).
فجعل حقه بعد حقها مرتباً ثلاثاً، وعظم حقها بالتكرار ثلاثاً، ولذلك جعلوا لها من الحق أضعاف ما للوالد، والواقع يصدق ذلك؛ فإنها حملته وهناً على وهن، وتحملت في حمله ووضعه وإرضاعه وفصاله ما لم يتحمله الأب، فعظم الله عز وجل حقها، فالأم أحق من هذا الوجه.
لكن ولاية الأب على البيت، وولايته على الأسرة، قد يكون هذا خاصاً، بمعنى: أنك إذا دخلت في مكان فتنظر إلى ذي الحق، فالوالد في البيت حقه أقوى من حق الأم من جهة الولاية، ولذلك جعل الله الولاية للرجل على أهله، قال عليه الصلاة والسلام:(الرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته)، أي: مسئول عن زوجته وأولاده؛ لأن الله جعل المرأة تبعاً للرجل تقوم على شأنه، كما قال تعالى:{وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[الأعراف:١٨٩]، فالرجل له حق الولاية، ومن دخل في مجلس، أو دخل في مكان ابتدأ بذي الحق.
ولذلك إذا دخلت في مجلس؛ فالسنة أن تبدأ بذي الحق فتسلم عليه، وكذلك في الطعام والشراب تبدأ بذي الحق أولاً؛ لأن إكرامه واجب، وحقه آكد، ثم تأخذ عن يمينه، فتجمع بين الفرض والسنة، أما أن يأخذ الإنسان مثلاً بحديث خاص في قوله:(من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك)، فهذا من ناحية الإحسان والبر والقيام والرعاية، لكن في الدخول في المجالس يُبدأ بذي الحق، ولذلك ابتُدئ به عليه الصلاة والسلام في المجالس، وكان يُبتدأ بالتحية، وبالإجلال والإكرام صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن له حقاً.
فإذا كان في مجلس فيه الوالد فحقه في الولاية آكد، وهذا الحق بالمناسبة، فإذا جئت إلى مجلس وسألت: من الذي يُبدأ به السلام؟ فإنك تبدأ بمن له الولاية في المجلس، فإن كان مجلس علم فالولاية للعالم، وإن كان مجلس ولاية وسلطة، فتبدأ بصاحب تلك الولاية والسلطة، وإذا كان في مجلس سفر مثلاً لثلاثة ركب فأكثر، وعليهم شخص هو المسئول عنهم، فالولاية له.
وقد أعطى الإسلام كل شي حقه، فتبدأ بذي الولاية، وتشرفه وتكرمه، وتقدمه على غيره، ثم بعد ذلك تسلِّم على الأم، وتأخذ بخاطرها، وتبرها كما أمرك الله عز وجل ببرها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.