[نصيحة لمن منعه والداه من السفر لطلب العلم]
السؤال
أنا أريد طلب العلم، ولكن أهلي يرفضون ذلك، وقد تركت كل شيء في مدينتي من أجل أن أذهب إلى مدينة أخرى للجلوس عند علمائها، فهلا من كلمة لوالدي أسمعهما إياها علهما أن يوافقا؟
الجواب
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أهنئك أخي في الله على حب العلم، وحب التغرب من أجل التفقه في الدين، وحمل رسالة الله رب العالمين، وما قذف الله في قلبك حب هذا العلم إلا وهو يريد بك خيراً، فإنهم بذلك عيناً، وليكن حسن ظنك بالله عظيماً، فلابد أن تنال العلم إذا صدقت مع الله جل وعلا.
أما الوصية الأولى التي أوصيك بها، فإن تيسر لك طلب العلم في دار فيه والداك، فإياك ثم إياك أن يفارق سوادك سوادهما.
إن من أعظم الأسباب التي تنشرح بها الصدور لطلب العلم، ويوفق فيها طالب العلم في طلبه: رضى الوالدين، فلتجتهد في إرضاء والديك، فقد جاء في الحديث أن رجلاً قال: (يا رسول الله: أقبلت من اليمن أبايعك على الهجرة والجهاد -أي: أن ألازمك، يريد طلب العلم والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم- قال: أحية أمك؟ قال: نعم، قال: فالزم رجلها فإن الجنة ثَمَّ).
فالزم رجل والديك إذا كان العلماء في بلدك، وإياك أن تفكر في طلب العلم في مكان ليس فيه والداك، إلا إذا تعين عليك ذلك، ولم تجد أحداً في المكان الذي أنت فيه.
وقد كتب بعض العلماء ترجمته، وكان رحمة الله تعالى عليه آية في العلم والعمل، موفقاً حتى في كثير من المسائل والنوازل والفتاوى التي كان يفتي فيها، فقال: لا أعلم عملاً صالحاً بعد الإيمان وفقني الله فيه حتى بلغت هذا العلم مثل بري بوالدي، فقد توفي أبي وهو في النزع يدعو لي بالعلم والعمل.
ولذلك أوصي طالب العلم فأقول: إذا أردت أن توفق في طلب العلم، وتوفق لكل عمل صالح بعد الإيمان، فأول ما تفكر فيه إرضاء والديك، من إدخال السرور عليهما، والحرص على الإحسان إليهما، وإسداء الخير إليهما، فتلك من أعظم المفاتيح التي ينال الإنسان بها العلم والعمل.
وكذلك أوصي والديك أن يتذكرا فضل الله عليك، وأن يكونا خير والدين حينما يعينانك على بلوغ هذه الرسالة العظيمة، وما أعظمه من شرف للوالدين حينما يتسببان في تحصيل الابن للعلم والعمل؛ إذ ورد في الحديث: (أن حافظ القرآن يؤتى بوالديه يوم القيامة فيلبسان تاج الكرامة)، إكراماً لحافظ القرآن، فكيف بمن حفظه وعلمه وعمل به وعلم الناس؟!! فلذلك أوصي الوالدين أن لا يزهدا في هذا الخير العظيم، فما الذي ينتظران من الأبناء غير أن يكونوا لهما خلفاً صالحاً، ولو لم يكن في العلم إلا أن العالم يأتيه السائل وقد ضاقت عليه الدنيا فإذا أجابه يكون من دعائه له: رحم الله والديك لكفى بها نعمة.
وهذا يدل على شرف العلم وبركة العلم وفضله، حتى على والدي الإنسان، فنسأل الله العظيم أن يشرح صدرهما لإعانتك على بلوغ هذه الغاية النبيلة، وتحصيل هذا المقام العظيم، والله تعالى أعلم.