الأمر الأخير الذي نريد أن ننبه عليه: لو شك الإنسان في ماءٍ فاستيقظ من نومه فوجد بللاً في ثوبه ثم لم يدر هل هو مني فيغتسل، أو مذي حكمه حكم البول؟ نقول: يميز هذا الماء، فإن وجد علامة المني وهي رائحة المني التي هي كطلع النخل، أو وصف المني بيبسه إذا كان طال عهده بالمنام، كأن ينام بعد صلاة الفجر ثم يستيقظ بعد شروق الشمس ويسهو عن نفسه، ثم لما أراد أن يصلي الظهر وجد الماء في ثيابه يابساً، فحينئذٍ يعمل بالأوصاف من ثخن المني ورقة المذي، فإن وجد ثخن المني أو رائحته -لأنه إذا طال وقته كانت رائحته كرائحة البيض، وإن كان طرياً تكون رائحته كطلع النخل، وطلع النخل هو الوبار الذي تُؤبَّر به النخل- فإذا وجده بصفة المني حكم بكونه منياً واغتسل، وإن لم يجد الصفة أو وجد قطرات يسيرة فمثلها ليس بمني؛ لأن المني كثير، وحينئذٍ يبني على أنها مذي وهو الذي يكون عند بداية الشهوة، فإن وجد علامة المني أو علامة المذي حكم بما وجد من علامة، وإن لم يستطع التمييز رجع إلى اليقين من كونه مذياً حتى يستيقن أنه مني فيجب عليه الغسل.
فنقول لمن شك في هذا الماء الموجود في الثوب هل هو مني فيغتسل، أو مذي فيغسله ويتوضأ؟ نقول: هو مذي حتى تستيقن أنه مني، ولا يجب عليك الغسل بالشك.
قال رحمه الله:[لا بدونهما من غير نائم].
(لا بدونهما): لا: نافية، أي: لا يجب الغسل بمني خرج بدون دفق أو بدون لذة أو بدونهما، وقيل بالترابط بين الدفق واللذة لأنه لا توجد اللذة إلا مع الدفق، وبناءً على ذلك قلنا: هذان الوصفان إذا لم يوجدا لم يحكم بوجوب الغسل من المني.