التلبية: فيها مسائل تقدمت معنا، وبينا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وأحكامها، ومن مسائلها: متى يقطع المحرم تلبيته؟ وجواب هذا السؤال أنه لا يخلو المحرم إما أن يكون بحج، وإما أن يكون بعمرة، فهناك موضعان: الموضع الأول: بالنسبة للحج، متى يقطع الحاج تلبيته؟ والموضع الثاني: بالنسبة للمعتمر متى يقطع تلبيته؟ قال بعض العلماء: المعتمر يقطع تلبيته عند دخوله للحرم، وقد جاء عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما -والسند صحيح- أنه كان إذا قدم من جهة المدينة، واستقبل من جهة التنعيم قطع التلبية.
والقول الثاني: أنه يقطع تلبيته عند استلامه للحجر، أي: عند ابتدائه للطواف.
والقول الأول للمالكية، والقول الثاني اختاره الشافعية والحنابلة، أن المعتمر يقطع تلبيته عند استلام الحجر، وهذا القول احتجوا له بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في عمرة الجعرانة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اعتمر من الجعرانة بعد انصرافه من غزوة الطائف:(لم يزل يلبي حتى استلم الحجر)، قالوا: فيه دليل على أن التلبية تقطع عند استلام الحجر، ولأن أول الأركان يلي إحرامه ونيته إنما هو الطواف بالبيت، فشرع له أن يلبي حتى يبتدئ الطواف، وحينئذٍ يقطع التلبية، وهذا هو أصح أقوال العلماء؛ لأن السنة واضحة في دلالتها على صحته، أن المعتمر يقطع التلبية عند استلام الحجر.
وحينئذٍ نقول: من اعتمر يقطع التلبية عند ابتداء الطواف إن استلم الحجر، فيؤخر حتى يستلم الحجر، وأما إذا لم يستلم الحجر في طوافه فعند استفتاحه الطواف يقطع التلبية.
وعلى هذا لو حج، وكان قد نوى التمتع بعمرته، فحينئذٍ عند ابتدائه للطواف أو عند استلامه للحجر يقطع تلبيته لهذا الأصل.