مذهب الجمهور أن التعزير واجب، وفي الحقيقة ينبغي النظر في التعزير: فإذا كان التعزير لحق مخلوق واشتكى المخلوق، فيجب أن يعزر الجاني، فمثلاً: شخص استهزأ بشخص، أو شهّر به فتكلم في مجامع الناس وقال: فلان لا يفهم شيئاً، أو فلان ما هو أهل لكذا وكذا، فشهر به، أو كتب في صحيفة أو وسيلة إعلامية ما ينتقص به أهل الحق ويزري بهم ويشهر بهم أمام الناس، أو اتهمهم بالباطل، فاشتكى أصحاب الحقوق إلى القضاة، فإذا اشتكى إلى القاضي فيجب على القاضي أن يعزر مثل هذا؛ لأن صاحب الحق طالب بحقه، والقضاة في الأصل ما أقيموا إلا لأجل ردع الناس بعضهم عن بعض، والقيام بالحقوق الواجبة.
وكذلك بعض العلماء يرى وجوبه فيقول: في بعض الأحوال التي يكون فيها تقصير ومماطلة فيجب حينئذ على القاضي أن يعزر، وهو واجب، أي: أنه يرى أن التعزير يجب لكن في حالة ما.
وإذا كان متعلقاً بحق الله عز وجل فإنه يسع فيه العفو، ولذلك جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:(يا رسول الله! إني أصبت من امرأةٍ -وذكر أنه أصاب دون الحد، من قبلة أو نحوها- فأنزل الله عز وجل:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}[هود:١١٤]، فقال الرجل: أهي لي خاصة يا رسول الله؟ قال: بل هي عامة)، فهذا يدل على العفو والمجاوزة في التعزير في حق الله عز وجل متى وسع ذلك، والسبب: أن الرجل جاء شاكياً تائباً يسأل عما يكفر ذنبه، وهذا نوع من التوبة والرجوع، ومن هنا لاحظ عليه الصلاة والسلام أن رجوعه كاف؛ لأنه أدرك ما قام به، والتعزير نوع من التأديب لرعاية الحرمة، وهذا قد جاء نادماً على إسقاط الحرمة، وحاله يدل على أنه لن يعود بإذن الله عز وجل إلى ذلك.
فمن هنا يسع العفو إذا غلب على ظن القاضي المصلحة في عفوه، ولا بأس بذلك ولا حرج، فيكون التعزير في حالة العفو غير واجب، لكن لا يستطيع القاضي أن يعفو في حقوق المخلوقين بعضهم على بعض، ولا يستطيع القاضي أن يتدخل في شخص سبه شخص فآذاه أو اتهمه بما لا يوجب القذف، ورفع هذا الرجل يتظلم إلى القاضي، فلا يأتي القاضي ويقول: اعف عنه، أو يحاول تعطيل تأديبه؛ لأنه يجب على القاضي في هذه الحالة أن ينصف المظلوم ممن ظلمه، فحينئذٍ لا يتدخل القاضي؛ لأنه يجب على القاضي أن يكون محايداً، وفي حالة تدخله بالصلح قد يسقط حق ذي الحق، ولا يجوز إسقاط هذا الحق بدون موجب.
ومن هنا لا يسع العفو ولا يسع الإسقاط في التعزيرات في الحقوق التي يطالب بها أصحابها، وإنما في حق الله عز وجل، والأمر فيه إلى نظر القاضي، ويحق له في بعض الأحوال أن يعفو ولا يعزر.