للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[منع أهل الذمة من بناء الكنائس وترميمها]

قال رحمه الله: [ويُمنعون من إحداث كنائس وبِيَع، وبناء ما انهدم منها ولو ظلماً].

(ويُمنعون من إحدث كنائس وبيع).

ويُمنع أهل الذمة من إحداث الكنائس في بلاد المسلمين، وهذا نص عليه كتاب الشروط العمرية، الذي شرحه الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه المفيد (أحكام أهل الذمة)، وبين أنه لا يجوز لهم أن يحدثوا الكنائس في بلاد المسلمين، ولا أن يعيدوا بناء ما انهدم منها، وهذا يدل على أن المراد من عقد الذمة بيننا وبينهم أن يألفوا الإسلام، فلا تمضي فترة من الزمن إلا وقد دخلوا فيه، وهذا هو الذي قُصِد من إيجاد العقد بيننا وبينهم: أنهم يرضون بالإسلام؛ لأن بيننا وبينهم قواسم مشتركة، فدينهم أصله دين سماوي، ومن كان ذا دين سماوي فإنه إذا رأى سماحة الإسلام ويُسره وشريعته، فإنه أحرى أن يتبع ذلك وأن يلتزم به.

(وبناء ما انهدم منها) أي: لا يجوز لهم بناء ما انهدم من الكنيسة.

وهنا مسألة: إذا انهدمت الكنيسة، فلا تُجَدَّد، ولا يجوز إحداث كنيسة في داخل بلاد المسلمين، وقال أئمة الشافعية: إنهم إذا بنوها في الخراب، أي: بعيداً عن المساكن، وبعيداً عن المدن، فلا بأس وقد سكت عنه بعض العلماء، وقال: إنما يكون المنع إذا كان في داخل بلاد المسلمين، فيُمنعون من إحداثها ومن تجميلها وتزويقها، فلا يكون لهم بها شعار يتميزون بها في الظاهر، ولا تُجَدَّد ولا ترمم في الظاهر، حتى تكون جاذبةً للغير إليها، أو يكون لهم بها عزة، وقد أمر الله عز وجل أن يكونوا في صغار، فلا بد أن يكون الصغار شاملاً حتى لأمور طقوسهم وأمورهم التي يتعبدون بها.

وهنا مسألة وهي: إذا آل الجدار إلى السقوط، وأرادوا أن يحفظوا كنيستهم فماذا يفعلون؟ قالوا: يبنى الجدار من داخل الكنيسة؛ لأن هذا ليس بتجديد، ولا يعتبر تجديداً لما انهدم، فيهدم الجدار الأول، ثم يبنى الثاني من داخله، ثم ينهدم الذي بعده، فيبنى من داخله، وهذا ذكره غير واحد من العلماء رحمهم الله، كل ذلك منعاً للإحداث، فيتقاصر أمرهم حتى يضيق عليهم، وكل هذا -كما ذكرنا- إعمالاً لقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:٢٩] فيكون الصَّغار في دينهم كما كان الصَّغار في أمور دنياهم.

(ولو ظلماً) إشارة إلى خلاف مذهبي، أي: ولو هدمت ظلماً، فبعض العلماء يرى أنها إذا هدمت ظلماً فإنه يُسمح لهم أن يعيدوها، وهذا القول في الحقيقة له وجه من النظر والقوة، يقول بعض العلماء رحمهم الله: لأن بيننا وبينهم عقد عهد وذمة، وينبغي أن ننصفهم، فهم التزموا بأداء جزيتهم، وقاموا بالحق الذي يجب عليهم، فينبغي علينا أن نحفظ كنائسهم، فنترك لهم كنائسهم، ونترك بِيَعهم وصلواتهم، وهذا هو الوسط، فلا نقدم على هدمها بدون حق، فإذا هُدِمت بدون حق، فهذا يقوى فيه أنها تعاد لهم، وهو قول بعض العلماء، وأشار المصنف إلى هذا الخلاف بقوله: (ولو ظلماً).

<<  <  ج:
ص:  >  >>