تقدم معنا في كتاب البيوع ذكر العيوب المؤثرة في الرقاب، وضابط العيب المؤثر وغير المؤثر في الرقبة، إلا أنه هنا إذا كان النقص في الرقبة يكون النقص في الأعضاء، كقطع عضو كيد أو رجل، أو ذهاب حاسة كذهاب البصر ونحوه، فهذا إذا وجد في الرقبة فإنها لا تجزئ في العتق، فلو كان عنده عبد أو مملوك أعمى وأعتقه كفارة الظهار، أو كفارة لقتل، أو كفارة لجماع في نهار رمضان لا يجزئه، وهكذا لو كان أقطع اليد، أو أقطع الرجل، أو مشلولاً شللاً تاماً، أو شللاً جزئياً لبعض الأعضاء.
ثم استأنف رحمه الله فقال:[يضر بالعمل ضرراً بيناً]، وهذا يسمى عند العلماء بالضابط، وهو هنا أن يكون العيب مضراً بالعمل ضرراً بيناً، فالعيب يضر ويمنع الإنسان من العمل.
والسبب في وضع هذا الضابط أن الرقبة إذا كانت لا تستطيع العمل فمعنى ذلك أن الشخص إذا أعتقها يتخلص من تبعة الإنفاق عليها؛ لأنها إذا كانت عاطلة لا تعمل، مثل رقيق مشلول -مثلاً- فهو كما قال تعالى:{وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ}[النحل:٧٦] أي: كل على سيده فسيده إذا وجبت عليه الرقبة بانتهاكه حرمةً من حرمات الله كقتل نفس محرمة، أو ظهار، أو جماع في نهار رمضان، فأصبح هنا من الخير له أن يعتق هذه الرقبة، وأصبح العتق في هذه الحالة تخلصاً من التبعة، فبدلاً من أن تكون زجراً له أصبحت نعمة عليه، وهذا خلاف مقصود الشرع في أن يتحمل الغرم الذي يؤثر فيه حتى يردعه عن انتهاك حرمات الله، ولذلك أوجب الله الكفارة من عتق الرقاب، والإطعام، ونحوهما من الكفارات التي تكف الإنسان في بعض الأحيان عن انتهاك حرمات الله، حتى يكون ذلك أبلغ في زجره.