[إذا اجتمع الذكر والأنثى من قرابة المعسر]
ولو أن هذا القريب المحتاج له أخ وأخت، ففي الإرث يكون للأخ الثلثان وللأخت الثلث؛ لأن الذكر له مثل حظ الأنثيين، والعجيب في مسألة الإرث أن الشريعة لما فضلت بين الذكر والأنثى صار فيها العدل؛ لأن الأنثى أضعف في الكسب من الرجل، وأيضاً في الحمالة، فلما حمل الأنثى حملها دون الذي حمله الذكر، فأعداء الإسلام يخلطون الأمور، وينظرون من زاوية واحدة فقط، ولذلك إذا نقد أحد الإسلام في هذه الجزئية نقول له: نظرك قاصر؛ لأنه نظر إلى حالة الغنم ولم ينظر إلى حالة الغرم، وصدق الله في قوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢١٦]، من هذا الذي يريد أن يستدرك على رب العالمين، وأحكم الحاكمين الذي يقص الحق وهو خير الفاصلين سبحانه وتعالى! فهذا من العجز والقصور.
ولذلك كانت الشريعة الإسلامية شريعة كاملة تامة شاملة، ربطت الأمور ببعضها.
هناك من العلماء من يقول: لو اجتمع الوارث الذكر والأنثى أُسقط الأنثى وألزم الذكر، وهذا أحد الأوجه عند الشافعية وغيرهم، ويقولون: إن علقة الذكر أقوى من علقة الأنثى، ولأن الذكر يتكسب والأنثى لا تتكسب -هذا في الأصل- ولذلك جعل الله النفقة على الزوج ولم يجعلها على الزوجة.
ومن هنا تنظر كيف عظمة هذا الإسلام ودقته، وهنا نلمح حقوق المرأة الحقيقية المبنية على النظر إلى الحالة ودراسة أحوال الناس، وإعطاء كل شيء حقه وقدره، دون غلو أو مبالغة أو تزييف للحقائق، فهذه الحقوق الدقيقة المفصلة في الفقه الإسلامي لن تجدها في غيره؛ لأنها مبنية على شرعٍ كاملٍ تام؛ فبعض العلماء يرى أن على قدر الإرث ينفق الإناث، ويرى أنه إذا اجتمعن مع الذكور سقطن، فلو أن القريب له أخ وأخت يقول: أوجبها على الأخ ولا أوجبها على الأخت؛ لأن خطاب الشرع في التكسب موجه للذكور غالباً وهو الأصل، هذا وجه.
وهناك وجه ثان يقول: يجب عليهما، ثم يختلف هذا الوجه الثاني على وجهين، فأصحاب هذا القول منهم من يقول: ويفرق بينهما على قدر الإرث، فيتحمل الذكر ضعف ما تتحمله الأنثى، ومنهم من يقول: يسوى بين الذكر والأنثى، لأن السببية جاءت من جهة القرابة.
فالحنابلة يرون أن سبب وجوب النفقة على الأخ والأخت هو وجود الإرث، وذلك كقاعدة الغنم بالغرم، والربح لمن يضمن الخسارة، فكما أنهم يأخذون في الإرث بهذا النصيب، ينبغي أن يتحملوا في النفقة بهذا النصيب، ويستدلون بقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:٢٣٣]، وهذا المذهب أصح وأقوى؛ لأن الله لما أوجب نفقة الرضيع على من يرثه في حال موت أبيه وموت من ينفق عليه قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:٢٣٣]، أي: عليه أن يدفع نفقة الرضيع؛ لأنه لو مات الرضيع ورثه، فجعل وجوب النفقة عليه، وإذا كانت السببية هي الإرث، فينبغي أن تقيد بنص القاعدة التي وضعها الشرع في الإرث، ومن هنا يترجح هذا القول الذي سلكه المصنف رحمه الله، وهو مذهب الحنابلة رحمهم الله، أن النفقة على قدر الإرث.
قال رحمه الله: [فعلى الأم الثلث، والثلثان على الجد].
أي: لو كان له أم وجد؛ فإن الأم تأخذ الثلث فرضها، والجد يأخذ الثلثين فرضاً وتعصيباً، ففي هذه الحالة يقولون: إذا افتقر وله جد وأم فإننا نوجب على الأم ثلث النفقة فقط والباقي على الجد، فإذا افتقر وهو يحتاج إلى ثلاثين ريالاً فنقول للأم: ادفعي عشرة، ونقول للجد: ادفع عشرين، عليه الثلثان وعلى أمه الثلث، لأن أصل الإرث على هذا الوجه.
قال رحمه الله: [وعلى الجدة السدس، والباقي على الأخ].
وهكذا لو كان له جدة وأخ؛ يكون السدس للجدة فرضها في شرع الله عز وجل، ويأخذ الأخ الباقي وهي الخمسة الأسداس.
فلو كانت النفقة ثلاثين ريالاً نقول: ادفعي خمسة ريالات التي هي سدس الثلاثين، والباقي وهي الخمسة الأسداس على الأخ، فنقول للأخ: ادفع خمسة وعشرين، لأنه لو مات وترك الجدة مع الأخ وترك ثلاثين ريالاً كان سدسها للجدة، وخمسة أسداسها للأخ، فما ظلم أحد، مثلما يأخذ الغنم يدفع الغرم.
وهذا أتم وأكمل وأجمل وأبهى ما يكون من العدل، لا يستطيع أحد أن يستدرك على الشرع.
ولذلك كان من أعدل المذاهب أن ينظر إلى قدر حصته من الإرث، لأن استحقاقه جاء عن جهة الإرث، ولما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن، دل على أن الشريعة ترتب الربح على الخسارة، فالخسارة وهي وجوب النفقة؛ لأنه دفع من ماله، والإرث لا يأتيك بدون مقابل في الأصل، وقد يكون الشخص من أفقر خلق الله، ثم يموت له قريب فما يدري إلا والملايين قد دخلت عليه رضي أو لم يرض، مال ساقه الله إليه، لكن يتحمل أيضاً عن وارثه مثلما يأخذ منه.
قال رحمه الله: [والأب ينفرد بنفقة ولده].
ذكرنا أن الأب ينفرد بنفقة ولده ولا يقسم بين الإخوة، وإنما ينفرد الأب بنفقة ولده؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ابدأ بنفسك وبمن تعول) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) فدل على أنه يجب على الأب أن ينفق على ولده قدر كفايته.