هذا الأمر بالنظافة يفهم منه الأمر بالغسل، وذلك أنه لما أمر الشرع بالغسل فإن معنى ذلك أن يتنظف الإنسان، وهذا صحيح، فإننا نأخذ الأحكام إما من منطوق الشرع، أو مما نفهمه من الشرع، وهذا من الفقه، فإنه إذا جاء النص يأمرنا بغسل الجمعة فإننا نفهم أن المراد أن يكون الإنسان على نظافة ونقاء، إضافة إلى أن الأصل في شهود المساجد ودخولها أن يكون الإنسان على نقاء، يقول تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف:٣١]، فقوله تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف:٣١] مما يتضمن الزينة المطلقة، سواء أكانت زينة البدن التي يصحبها نقاؤه ونظافته، أم الزينة التي يراد بها ستر العورة، وقد استدل العلماء رحمهم الله بهذه الآية على اشتراط ستر العورة، وقد تقدم معنا.
قوله:[يتنظف].
الغسل قد يكون فيه نظافة وقد لا يكون فيه نظافة، فالإنسان قد يبلّ جسده بأن يدخل في بركة ويغتسل ولكن لا يتنظف، بمعنى أنه لا يدلك جسده، ولا يبالغ في إزالة الشعث عنه، فالنظافة فوق الغسل، وبناء على ذلك فإن السنة والأفضل للإنسان أن يبالغ في نظافة جسده حتى يكون محققاً لمقصود الشرع من زوال الأذى الذي يتضرر به الناس، وهو وجود الرائحة الكريهة.
وقوله:[ويتطيب].
الطيب هو الرائحة، ويشمل الطيب الذي يكون سائلاً، أو يكون له رائحة كالبخور والند والعود، ونحو ذلك، فهذا كله من الطيب، والطيب من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما في الصحيح-: (ومس من طيب أهله)، وهذا يدل على أن السنة أن يتطيب الإنسان، وقد جاء في حديث فضل المضي إلى الجمعة:(ومس طيباً) أي: يمس من طيبه طيب بيته أو طيب أهله، وقالوا: التعبير بطيب الأهل لأن الإنسان إذا أراد أن يتجمل على أبلغ ما يتجمل فإنه يتجمل لزوجه، ولذلك اختار هذا النوع من الطيب الذي يكون به أبلغ ما يكون في زينته، وأحسن ما يكون في رائحته، وكأنه لما قال:(طيب أهله) لأن الإنسان لا يحب أن يضر أهله عند نومه معهم ونحو ذلك، كذلك أيضاً في مخالطته لإخوانه، فإنه يتطيب بأحسن ما يجد من الطيب وأفضله.