[ألفاظ الأذان وأقوال أهل العلم فيها]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين: أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وهو خمس عشرة جملة] أي: الأذان خمس عشرة جملة.
قال رحمه الله تعالى: [يرتلها على علو] هذا أحد أقوال العلماء رحمة الله عليهم، وألفاظ الأذان فيها أقوال لأهل العلم، فمن العلماء من قال: الأذان أن يثنِّي التكبير ويربع الشهادتين، ويثني ما بعده إلا التهليل الذي هو الخاتمة فيفرد، وهذا القول هو قول فقهاء أهل المدينة رحمة الله عليهم، وعليه درج إمام دار الهجرة مالك بن أنس عليه رحمة الله، واختار أصحابه المتأخرون الترجيع في الأذان، والترجيع صفته أنه بعد أن يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله) يرجع ويقول بصوت خافت: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، فيذكر الشهادتين سراً ثم يرجع إليهما جهراً، وهذا يسمى الترجيع.
فهذا القول الأول في المسألة، وله أصل من حديث أبي محذورة (أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان بمكة فرجّع في أذانه) أي: أمره أن يقول الشهادة سراً يُسمع نفسه، ثم يرجع ويُعلي بها صوته، وهذا هو الذي يسميه العلماء الترجيع في الأذان.
القول الثاني: يربع التكبير الذي في أول الأذان، ويربع الشهادتين، ويثنى ما بعد ويفرد التهليل، وهذا مذهب أهل مكة من السلف رحمة الله عليهم، وبه قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، ويرى أنه يرجِّع في الأذان، والفرق بين الأول والثاني، أن القول الأول يثني في التكبير، فيبدأ المالكي ويقول: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله (بصوت منخفض) ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله (بصوت مرتفع) إلى آخره.
القول الثاني: يربع في التكبير (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر)، ثم يرجِّع في الشهادتين، فيجمع بين التربيع للأول وللشهادتين.
ولهذا القول أيضاً أصل من أذان أبي محذورة في مكة مثل ما ذكره المالكية، وهي رواية المالكية لكن فيه زيادة تكلم عليها بعض العلماء كما أشار إليها الحافظ ابن عبد البر رحمة الله عليه.
القول الثالث: أنه يربِّع في التكبير، ويثني في كل شهادة ولا يرجِّع، على الأذان المعروف الموجود، وهذا قال به أهل الكوفة، وهو مذهب الحنفية والحنابلة رحمة الله على الجميع، وهو أذان بلال رضي الله عنه، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية.
وهناك قول رابع لبعض السلف تختلف صورته يرى أنه يربع التبكير، ثم يثني الشهادتين حتى يبلغ: (حي على الصلاة، حي على الفلاح)، فإذا انتهى من الحيعلتين رجع ثانيةً إلى الشهادتين، وهو قول الحسن البصري ومحمد بن سيرين من أئمة السلف، وفيه حديث ضعيف تكلَّم عليه العلماء، وأشار إلى ضعفه الحافظ ابن عبد البر رحمة الله عليه.
والذي يظهر والله أعلم أنه لا معارضة بين القول الأول والثاني والثالث، فلا حرج أن تؤذن بأذان الترجيع، ولا حرج أن تؤذن بأذان لا ترجيع فيه، فأذان الترجيع الذي لقَّنه النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة، والذي اعتمده العلماء نوع، وأذان بلال وعبد الله بن زيد هو الأصل، ولذلك بعض العلماء يقولون: أذان أبي محذورة ألقاه النبي صلى الله عليه وسلم على أبي محذورة في مكة حينما فُتِحت، فيحتمل لقرب أبي محذورة من الجاهلية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتشهد حتى لا يسبق لسانه إلى ما اعتاده في الجاهلية.
وهذا الجواب ضعيف، والأفضل والأولى كما اختاره بعض المحققين وأشار إليه شيخ الإسلام في القواعد النورانية، وارتضاه الحافظ ابن عبد البر.
أنه اختلاف تنوع، وليس باختلاف تضاد، فهذا نوعٌ من الأذان، وهذا نوعٌ من الأذان، ولا حرج أن تؤذن بهذا أو ذاك، ولا إنكار على من أذن بالترجيع، ولا إنكار على من أذن بغير ترجيع، وكلٌ على سنة وخير.