للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفرق بين الإمامة والأذان من حيث الفضل]

السؤال

أيهما أفضل: الإمامة أم الأذان؟

الجواب

اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك: فمذهب الجمهور أن الإمامة أفضل، وذلك لأن الإمامة هي المقصد، والأذان وسيلةٌ للإمامة والصلاة جماعة، ولأن الإمامة يُشترط فيها من الفضائل ما لا يشترط في الأذان، ويشترط لصحة الصلاة نفسها ما لا يشترط لصحة الأذان، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أم، وأمّ مِن بعده الخلفاء الراشدون، وكذلك أيضاً لم يُحفظ عنه عليه الصلاة والسلام نصٌ صحيح بتقديم الأذان على الإمامة، ولهذا قالوا بتقديم الإمامة على الأذان.

القول الثاني: الأذان أفضل.

وهو روايةٌ عن الإمام أحمد رحمةُ الله عليه اختارها جمعٌ من أصحابه، وقيل: إنها هي المذهب، فالأذان أفضل من الإمامة.

واحتجوا بما أُثر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لولا الخلافة لأذّنت، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين)، وهو حديث أبي داود وأحمد في مسنده عن أبي هريرة.

قالوا: هذا يدل على أن الأذان أفضل من الإمامة، وقال صلى الله عليه وسلم: (إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا حجرٌ ولا شجرٌ إلا شهد له يوم القيامة)، وكذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أطول الناس أعناقاً يوم القيامة المؤذنون) قالوا: هذا يدل على فضل الأذان، وأنه أفضل من الإمامة.

والصحيح أن الإمامة أفضل من الأذان؛ لأن الله اختارها لنبيه عليه الصلاة والسلام، ولم يحفظ في حديث واحدٍ أنه تولّى عليه الصلاة والسلام الأذان.

وأما كونه يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم الدلالة على فضل الأذان فإن هذا لا يدل على أنه أفضل من الإمامة، ألا ترى الصلوات النوافل وردت فيها أحاديث بفضلها، ولم يرد بخصوص صلاة الفرائض كصلاة الفجر والعشاء والمغرب مثل الأحاديث التي وردت في النوافل، ولذلك الإمامة مقدمة من وجوهٍ عديدة، فإن الإنسان إذا نظر إلى ما للإمامة من مسئولية ومن تحمل أعباء أدرك ذلك، ولما فيها من الفضل، كما قال بعض السلف: من صلى بالناس كُتب له أجره.

يعني أن الإمام له أجر من يصلي وراءه قلُّوا أو كثروا، وهذا فضل عظيم، مع ما في مواعظهم وتذكيرهم؛ فإن الإمام يذكِّر الناس في الخطب، وفي المواعظ العابرة، وفي المناسبات المقتضية لذلك، وهذا التذكير فيه حياةٌ للقلوب، ودلالةٌ على الخير، وانشراحٌ للصدور، وهداية إلى سبيل الله عز وجل، والله تعالى يقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:٣٣]، فإن (مَنْ): بمعنى (لا)، أي: ولا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى الله.

وقد يقول قائل: إن هذه وردت في المؤذن! فنقولك هذا قول مرجوح، وإنما هي عامة.

وعلى هذا نقول: المؤذن داعٍ إلى شيء معين وهو الصلاة، والإمام الخطيب داعٍ إلى أشياء، بل داعٍ إلى شعائر الإسلام كلها، فإن قلت بتفضيل المؤذن لكونِه يدعو إلى الصلاة فإن الإمام يقوم بها، وإن قلت إنه يدعو فإن الإمام يدعو إلى الصلاة، ويدعو إلى ما هو أعظم وأجل، كدعوته إلى توحيد الله عز وجل، وخطبته في الناس وتذكيره، فالذي يظهر -والعلم عند الله- أن القول بترجيح الإمامةَ أولى وأحرى، وأن الإمامة لها فضلٌ عظيم.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) دليلٌ لنا لا علينا؛ فإن قوله: (اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) يدل على فضل الإمام؛ لأنه لعظم مسئوليتها صرف الدعوة إلى أن يعينهم على أدائها حتى يكون أجرهم أكثر، وقال عليه الصلاة والسلام: (واغفر للمؤذنين) فلخفة أعباء الأذان كان الدعاء لهم بما يناسبهم، وقال بعض العلماء: إنما هو دعاءٌ بما يناسب الحال لا علاقة له بالتفضيل، والذي يظهر -والله أعلم- أن تفضيل الإمامة أولى وأحرى، وذلك لما ذكرناه من الوجوه التي بُنِيت على النقل والعقل والقول بتفضيلها، وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>