للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شروط الصيغة]

أما الصيغة: يقول له: ضاربتك، أو خذ هذه المائة ألف قراضاً والربح بيني وبينك، أو يقول له: خذ هذه المائة ألف واتَّجر بها، وما ربحتَ فبيني وبينك، هذا بالنسبة للربح.

لكن لو أن هذا العامل أخذ منك مائة ألف، وخرج يتاجر، فانكسر في التجارة وخسر ولم يرد لك إلا خمسين، فهل يضمن الخمسين الباقية؟

الجواب

فيه تفصيل: فأصل المضاربة أن العامل يأخذ منك المال ويتاجر فيه بالمعروف، فإذا قام بالتجارة على الوجه المعروف عند أهل الخبرة ولم يفرط ولم يغرر؛ فلا ضمان عليه، وإنما يكون ضمان المال على رب المال.

ومن هنا تنظر إلى عدل الشريعة الإسلامية، وكونها عدلت بين العامل ورب المال.

فأنت حينما تعطي مائة ألف إلى العامل وتقول له: اضرب بها في الأرض، فإنك لا تقوم بأي عمل، بل العمل كله على العامل، فهو الذي يتحمل مشقة العمل، وبالمقابل فأنت تتحمل الخسارة، فخطورة العمل والخطر الذي ينتج عن العمل بحصول كساد في السوق أو انخفاض في الأموال أنت الذي تتحمله، والعامل يقوم بتنمية المال بالمعروف، فإن حصلت الخسارة كانت على رب المال، وإن حصل الربح كان للعامل حظه من الربح، فأعطت الشريعة كلا الطرفين حقه.

وبناءً على ذلك: فإن رب المال يتحمل مسئولية المال إذا خسر، والعامل يتحمل تنمية المال والقيام على رعاية هذا المال وتنميته.

والأصل في المضاربة: أن تكون على الثمن المعروف، فينبغي لكلا المتعاقدين أن يراعي المضاربة الشرعية، فلا يشترط على الآخر شروطاً تغرر به، فلو قال رب المال للعامل: هذه مائة ألف وأشترط عليك ألَّا تشتري إلا من فلان، وألَّا تبيع إلا إلى فلان، وألَّا تشتري إلا في شهر محرم، وألَّا تبيع إلا في صَفَر، فأخذ يقيده ويضيق عليه، لم يصح؛ لأن هذه الشروط تضر بمصلحة التجارة، وتكبل العامل، وتضيق عليه حدود العمل، وإن كان قد تسامح فيها بعض الفقهاء، وقالوا: من حقه، والصحيح مذهب من قال: ليس من حق رب المال أن يحجِّر على العامل ويضيِّق عليه في تجارته إلا إذا خاف الضرر، كأن يقول له: أنا أسمح لك أن تتاجر بالمال في مكة، ولا أسمح لك أن تنتقل إلى المدينة، أو إلى بلد آخر، لعلمه أن السوق في مكة أضمن وأربح، ولكن في غيره فيه مخاطرة، كذلك من حقه أن يقول له: أسمح لك أن تتاجر في ثلاثة أنواع أو أربعة أنواع أو خمسة أنواع، ويحددها؛ لعلمه أن كل نوع يجبر الآخر، لكن لو قال: لا أسمح إلا بتجارة الطيب، أو يقول له: لا أسمح لك بالمائة ألف إلا أن تتاجر في العود فقط، فإنه يحتمل أنه يدخل في تجارة العود وتنكسر؛ لكن حينما تقول له: هذه المائة ألف اضرب بها في الأرض، دخل في تجارة العود، فلم يكسب، فخرج منها إلى تجارة الورد، وكانت أربح -مثلاً-، أو خرج من تجارة الطيب كلية إلى تجارة الأرض، فجَبَرَ كَسْرَ تلك بنماء هذه، وجَبَرَ فسادَ تلك بصلاح هذه.

ولذلك قال العلماء: ليس من حق رب المال أن يحجِّر على العامل، فالأصل في القراض أن يكون على السُّنن الشرعية.

كذلك الأصل في القراض أن يكون الربح مشاعاً بين الطرفين، فلا يقول للعامل: أعطيك هذه المائة ألف، اذهب وتاجر بها، وسأعطيك ما يرضيك، فهذا مجهول، ولو قال له: الربح بيني وبينك، فللعلماء فيه وجهان: - بعض العلماء يقول: (بيني وبينك) هذا مجهول؛ لأن من أخذ ثلاثة أرباع وترك الربع، فهو (بيني وبينك)، ومن أخذ أي جزء من الربح فهو بينه وبين من اتفق معه.

- وقال بعض العلماء: بيني وبينك أي: نصفين، فيجوز.

والشبهة موجودة.

وكذلك أيضاً: لو قال له: خذ المال واضرب به، وأعطيك كل شهر ألفاً، فهذا ليس بقراض، وإنما هو إجارة، وحينئذ يستحق العامل الألف، وليس له دخل في الربح، فهناك شروط ربما لو أنه أدخلها لأخرجت القراض عن طبيعته إلى عقد آخر، كعقد الإجارة، أو ربما صار فيها وكيلاً بالبيع أو نحو ذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>