للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الولد للفراش وللعاهر الحجر]

السؤال

في اختصام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وعبد بن زمعة في الغلام: هل الحكم بالغلام لـ عبد بن زمعة لم يبعد الشك، وذلك في قوله: (واحتجبي منه يا سودة) أثابكم الله؟

الجواب

هذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله ولهم فيها اختيارات، واختيار الوالد رحمه الله: أن مسائل النكاح أضيق من غيرها، فمسائل الفروج والمحرمية ونحوها مما يتبع حكم النسب واللحوق يحتاط فيها، فقد يُبنى على الظن، وقد يعمل بالشكوك ويحتاط فيها صيانةً للأبضاع.

ومن هنا لما جاءت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته أنها أرضعت الزوج وزوجته وبينت له، فانتشر بين الناس، فجاء الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكي له من هذا، فقال عليه الصلاة والسلام: (كيف وقد قيل)، مع أن (قد قيل) صيغة تمريض، لكنه بنى عليها عليه الصلاة والسلام كما في الحديث في صحيح مسلم وغيره: (كيف وقد قيل)، فأعمل القيل وأعمل التهمة.

وكذلك في مسألة سعد وعبد بن زمعة رضي الله عنهما، خاصةً وأن الوطء كان في الجاهلية، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعمل الأمرين، أعمل الفراش لقوله: (الولد للفراش)، فهذا يقتضي اللحوق ويكون لـ عبد بن زمعة؛ لأن الفراش فراش أبيه، والزنا وقع من أخي سعد وقد عهد إليه أن هذا الولد ولده، وأنه قد زنا بها، فنظر إلى وجود الشبه من أخي سعد ونظر إلى وجود الفراش، فأعطى كلاً منهما حظه، وبني الحكم على مراعاة الأمرين وعلى وجود المرجح وإن كان الأصل في الشريعة أن المسائل في الزنا مثل النسب وأحكام الولد تابعة للفراش، لقوله عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش وللعاهر الحجر).

فهذا كله من الجمع بين الظنون، خاصةً إذا لم يوجد المرجح، لكن قد يستثنى منها مسائل؛ مثلاً: لو وجد المرجح ودلّ الدليل على ترجيح أحد الاحتمالين وجب العمل به، وإذا لم يوجد المرجح من المرجحات وجود القاصد.

ولذلك نص العلماء رحمهم الله: لو أن رجلاً تزوج امرأة وكانت قد حملت من الزوج الأول وتأخر حملها، وظن أنها ليست بحامل وهي حامل، فلما وطئها الثاني ظهر حمل وتبين أن هناك حملاً من الأول، فاختلط الماءان، فهل يلحق بالأول أو بالثاني؟ الأول الأصل أن الفراش فراشه، والثاني أن الأصل طارئ، وهذا يسمونه تعارض الأصل القديم والجديد.

فالأصل القديم يدل عليه أن الولد جاء قبل المدة التي في مثلها يكون الحمل، والثاني يقويه أن الفراش فراشه؛ لأنه تزوجها وأصبحت زوجةً له، ومن كانت المرأة فراشاً له، فكل ما تلده تابع له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الولد للفراش)، ففي هذه الحالة لما كانت مدة الحمل قصيرة، لا يمكن لمثلها أن يحسب التخلق، فالغلام للأول من حيث الحكم، لكن لو حصل اشتباه فيستعان بأهل الخبرة وهم القافة، فيلحقونه بأقواهم شبهاً به.

ومثل ذلك: لو أن رجلاً سافر مع رجلٍ آخر وكل منهما معه زوجته، فجاء أحدهما ووطئ زوجة الآخر ظناً منه أنها زوجته، فما الحكم في هذا الولد، هل يكون الولد له أم لزوج المرأة؟ يرجح بالقيافة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عمل بالقيافة وسيأتي بيان هذه المسائل إن شاء الله، أو بيان جمل منها إن شاء الله في أحكام النسب والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>