والذي ينبغي أن ينبه عليه في مثل هذا: أن خيانة الفراش والوقوع في الحرام بلاءٌ عظيم، ومن ابتلي بشيء من ذلك فعليه أن يصبر، وأن يعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى؛ لأن البلاء إذا حلّ بالعبد ليس هناك أحب إلى الله من أن يصبر ويرضى بقضاء الله وقدره، وقد جاءت النصوص في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم تبشر من صبر عند البلاء، فكما أن البلاء يكون في الجسد يكون أيضاً في العرض؛ ولذلك ابتلى الله عز وجل بالبلاء بالعرض أنبياء الله، فموسى عليه السلام تكلموا فيه وقالوا: إنه آدر، أي: له خصية واحدة كما ثبت في الصحيحين: (أن الله عز وجل ابتلاه بكلام بني إسرائيل فيه فقالوا: إنه آدر؛ لأنه كان لا يغتسل معهم، فقالوا: لا يغتسل معنا وإلا وفيه عيب)، فاختلقوا له هذا العيب، وهذا ابتلاء من الله عز وجل للذين في قلوبهم مرض، فالقلب يمرض فيما بينه وبين الله، ويمرض فيما بينه وبين الناس، فللقلوب أمراض بسبب تعديها على حقوق الله عز وجل ومحارمه، وللقلوب أمراض بسبب تعديها على حقوق المسلمين وواجباتهم، فإذا وجد المرء نفسه لا يرعوي عن إلصاق التهم بإخوانه فهذا مرض في القلب نسأل الله السلامة والعافية! وقد ذكر الله عز وجل أن القوم البهت كاليهود يحل الله عليهم سخطه وغضبه بسبب أذيتهم للناس، فأوذي موسى عليه الصلاة والسلام فقيل عنه: إنه آدر، فشاء الله عز وجل أن ينزل ويغتسل، وأمر الله الحجر أن ينطلق بثيابه، فأصبح موسى يركض وراء الحجر عارياً أمام الناس، وهذا ابتلاء، فلا يظن أحد أنه سيخرج من الدنيا -ما دام عنده إيمان- دون أن يمحص ودون أن يؤذى ودون أن يبتلى، فتجد من عنده ضعف إيمان إذا ابتلي بمثل هذه المصائب طاش عقله وذهب عنه رشده، فأخذ يسب ويشتم ويضيق على نفسه ويكدر عيشه؛ فيزداد ضيقاً إلى ضيق كما قال صلى الله عليه وسلم:(فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط)، فيضيق على نفسه، وهذا من علامة الخسران، حتى إنه -والعياذ بالله- قد تزني امرأته ويطلع على زناها فيتكلم فيها ويفضحها ويشهر بها ويغتابها، فيحمل ذنوباً وسيئات قد تذهب صلاته وصيامه -والعياذ بالله- فيجمع الله له بين مصيبتين: مصيبته في أهله، وأذيته لها بعد وقوعها في هذا الحرام، فيجب عليه أن يصبر ويتجلد، ولذلك قرن الله الصبر بالتقوى، والتقوى: حفظ اللسان، وحفظ الجوارح والأركان، وحفظ الجنان.
فإذا ابتلي شخص بمثل هذه الأمور فإنه يوصى بالصبر، والأئمة والخطباء وطلاب العلم والعلماء والموجهون والأصدقاء والقرناء عليهم إذا اطلعوا على مثل هذه الأمور أن يثبتوا من ابتلي بها؛ لأنه ليس هناك فرج أقرب من فرج الله لمن صبر وصابر ورابط، ويوصى المبتلى بذلك بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى والالتجاء إليه كما ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في قصتها التي هي من أعظم القصص عبرةً وعظة، في قوة إيمانها وثبات جنانها وصدق التجائها إلى ربها، حتى جاءها الله بالفرج من حيث لم تحتسب وقالت:(ما كنت أظن أن ينزل الله فيّ قرآناً)، فأنزل الله براءتها من فوق سبع سماوات، حتى أنها من كمال إيمانها وتوحيدها وتعظيمها لله سبحانه وتعالى لما قيل لها:(اشكري رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: لا، والله! بل أشكر الله)، فابتدأت بشكر الله قبل شكر أي أحد؛ لأنها مرت عليها ساعات وأيام قاست فيها وعانت وليس معها إلا الله وحده، حتى أنها رضي الله عنها وأرضاها لما عظم البلاء وجلست عند والديها جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح- وقال:(يا عائشة! إن كنت أذنبت ذنباً فتوبي إلى الله واستغفريه)، وانظروا كيف الرحمة واليسر! إن كنت أذنبت ذنباً فتوبي إلى الله واستغفريه، ليس هناك أعظم من الشرك، وليس بعد الكفر ذنب، ومع ذلك أمر الله المشركين أن يتوبوا إليه فقال:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال:٣٨]، فرحمة الله واسعة، إن كنت أذنبت ذنباً فتوبي إلى الله واستغفريه، قصة فيها عبرة للزوج وعبرة للزوجة، وعبرة لأهل الزوج وأهل الزوجة، وسلوى للمؤمن، فقال لها هذه الكلمات، فقالت لأبيها وأمها رضي الله عنهم وأرضاهم: أجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما استطاعوا أن يجيبوه، فقالت: لا أقول إلا كما قال أبو يوسف -ما استطاعت من شدة ما تعانيه أن تتذكر اسم يعقوب عليه السلام-: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}[يوسف:٨٦]، فصبرت صبراً جميلاً واستعانت بالله جل وعلا، فما لبث أن نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءتها، والعلماء رحمهم الله لما تكلموا عن بعض أهل الزيغ والضلال الذين يطعنون في أمهات المؤمنين ويتكلمون في الصحابة كان بعض العلماء يقول: لا أشك في كفر من اتهم عائشة رضي الله عنها؛ لأنه يكذب نص القرآن، وهذا بلا مرية، ويكاد يكون بالإجماع أن من قذف عائشة كافر؛ لأن الله عز وجل نص على براءتها، ونص على طيبها، ونص على أنها مبرأة مما اتهمت به، فجعل الله لها هذا الشرف وهذا الفضل، حتى أن القرآن يتلى ويتقرب إلى الله عز وجل ببراءتها رضي الله عنها وأرضاها، فهذه عاجل بشرى الله عز وجل لأوليائه، وحينما تنزل مثل هذه البلايا على الإنسان تضيق عليه الدنيا بما رحبت، ولكن حبل الباطل قصير، وكما بين الله عز وجل أن كيد الشيطان ضعيف، فتضيق الأمور وتعظم وتشتد ويصبح الإنسان في همٍ وغم لا يعلمه إلا الله عز وجل، لكن لا يلبث أن يأتيه الفرج ويكون أقرب إليه من حبل الوريد، فإذا بالأمر كأن لم يكن شيئاً:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}[الأنبياء:١٨]، ولكن العجيب أن بعض الناس لقوة إيمانه وثباته -ولعل الله عز وجل يحبه- يجعل الله براءته في الآخرة ولا يجعل براءته في الدنيا، فقد يتكلم فيه الناس فإذا وقف بين يدي الله عز وجل وأظهر الله صدق الصادقين وكذب الكاذبين، فعندها كما قال الله تعالى:{هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}[المائدة:١١٩] فالمرأة والرجل إذا ابتليا بمن لا يتقي الله عز وجل في أعراض المسلمين، فيتكلم فيهم ويتهمهم بالزور والباطل، فما عليهما إلا أن يصبرا، والأمر في حق النساء آكد وأوجب، فإن النساء يُظلمن كثيراً في هذه الأمور، وبالأخص إذا كان الظلم من القريب، فأخوها بمجرد أن يرى أقل الأشياء يضخم الأمور ويتهمها عند والديها أو يضيق عليها، فهذا أمر ينبغي أن ينصح فيه الناس وأن يذكروا بالله عز وجل، وعلى المرأة أيضاً ألا تفتح على نفسها أبواب التهم، وعليها -دائماً- أن تحافظ على دينها وعلى كرامتها وعلى عفتها، وعليها إذا رأت من أخيها أو زوجها أو قريبها تضييقاً في أمر ألا تعتقد أنه يسيء الظن بها، بل إنه قد يخاف الإنسان على عرضه، والله يعلم أنه قد يضحي بدمه وبأغلى ما يملك من محبته لأهله وقرابته، فعليها أن تتحمل ذلك وأن تتقبله.