للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم بيع التماثيل للكفار]

السؤال

النجارون في بعض البلاد ينحتون التماثيل ويبيعونها للكفار بأثمان غالية، هل هذا جائز؟ علماً بأن هذه التماثيل منها ما هو من ذوات الأرواح.

الجواب

التماثيل محرمة، ولذلك قال علي رضي الله عنه لـ أبي الهياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالاً إلا كسرته، ولا صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) فدل على حرمة التماثيل.

وبيعها محرم بإجماع العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (إن الله ورسوله حرما بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام) وحرم بيع التماثيل لأنها تفضي إلى أعظم الشرور، وهو الشرك بالله عز وجل؛ وتحريم بيعها من تحريم الوسائل المفضية للمفاسد.

والوسائل منها ما هو وسائل تفضي إلى المصالح، ومنها وسائل تفضي إلى المفاسد، فهناك وسائل تفضي إلى المصالح مثل: ركوبك السيارة من أجل أن تصلي في المسجد، وركوبك السيارة من أجل أن تدرك الحج، هذا وسيلة إلى طاعة وعبادة وقربة، وكذلك قد تكون الوسيلة إلى شر وفساد، فالوسيلة إلى الحرام من الزنا وشرب الخمر والربا وغير ذلك تأخذ حكم مقصدها، فمن هنا قالوا: أعظم الوسائل شراً وأعظمها ضرراً وأعظمها إثماً بعظم مقصدها، فإذا كانت وسيلة إلى الشرك فهي أعظم الوسائل ذنباً، وأعظمها شراً، وتشدد فيها الشريعة، ولذلك نهي عن الغلو في صالح أو طالح، في دين أو دنيا؛ لأن العبد الصالح إذا غلوا فيه ربما عُبد من دون الله واعتقد فيه، ووقع الشرك المحظورَ.

وأيضاً عظيم الدنيا إذا عظِّم وصار يُعْطَى أشياء لا تليق إلا بالله عز وجل، فإنه يصرف القلوب من الخالق إلى المخلوق، فلذلك نهي عن الغلو؛ لأنه وسيلة للشرك.

كذلك نهي عن بيع الأصنام؛ لأنه وسيلة إلى تعظيمها، وعبادتها، فلا يجوز بيع الأصنام مطلقاً، وما ورد في السؤال أنه يبيعها إلى الكفار فإنه في قول جماهير العلماء رحمهم الله محرم، سواء باع لكافر أو مسلم، وكونهم كفاراً لا يعني أن نعينهم على معصية الله عز وجل، وهذا نوع من الإقرار على ما هم فيه؛ ولذلك كان القول بأن الربا يجوز مع الكفار وبيع الخمر يجوز للكافر، والأصنام يجوز بيعها للكافر، كلها اجتهادات في مقابل النصوص، وأرى أنها مصادمة لنصوص واضحة، ولو نُظر وتؤمل إلى المعاني والاجتهادات الشرعية التي هي خلافها لكان أولى وأحرى.

فلذلك لا يجوز بيع الأصنام والتماثيل لا إلى مسلمين ولا إلى كفار، ودليلنا: عموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لما فتح مكة نهى عن بيع الأصنام والتماثيل دون أن يفرق بين الذي يباع له هل هو مسلم أو كافر، والأصل أن العام يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه، ولا مخصص لهذا العموم، ولذلك لا يجوز هذا البيع وماله حرام، لكن لو كسرت التماثيل وأريد الاستفادة من مادتها كالخشب فيصنع به شيء آخر ينتفع به، أو كانت من نحاس وبيعت نحاساً من أجل أن تصهر ويستفاد منها بشيء آخر، فلا بأس ولا حرج، شريطة أن لا تباع لمن يعيدها إلى حالتها التي كانت عليها، ويستوي أن تكون التماثيل لذوات الأرواح أو تكون لمعبودات من غير ذوات الأرواح ما دام أنها لعبادة، فيستوي في ذلك أن تكون من ذوات الأرواح أو غيرها، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>