[شروط قطع يد السارق]
قال المصنف رحمه الله: [إذا أخذ الملتزم] السرقة لا تكون إلا بصفة محدودة، وضبطت بالأدلة الشرعية، وهذه الصفة إذا وجدت حكم بثبوت الحد، وإذا فقدت فإنه لا يقام الحد.
ومن هنا بيّن رحمه الله أن السرقة أخذ، وعلى هذا لو هجم رجل على مال يريد أن يسرقه فكشف أمره قبل أن يخرج به من حرزه ويتحقق الأخذ لم تقطع يده، فمثلاً: لو أنه كسر باب العمارة أو باب الشقة، أو دخل إلى الغرفة التي فيها النقود والأموال وكسر الباب أو عالجه فانفتح، ودخل وكسر الأقفال الموجودة على الصناديق، وقبل أن يأخذ المال ويخرج من هذا الحرز الذي هو حرز للمال أخذ، فلا تقطع يده حيث لم تتحقق السرقة.
وعليه فلا بد من وجود الأخذ، حتى ولو حصل الأخذ بدون استصحاب منه، مثل: أن يكسر القفل ويأخذ ما قيمته النصاب، ثم يرميه من وراء الجدر، ثم يكشف أمره، فهنا قد حصل الأخذ؛ لأنه قد خرج المال من حرزه وهو نصاب ومال محترم شرعاً، وحينئذٍ تتحقق السرقة.
إذاً: لابد من وجود الأخذ، فإذا لم يقع الأخذ لم نحكم بثبوت الحد.
والسرقة تتعلق بالسارق والمسروق وفعل السرقة، هذه ثلاثة أركان تتحقق بها السرقة، ففعل السرقة في قوله: (أخذ)، وهذا الأخذ له ضوابطه، وسيبين رحمه الله الشروط المعتبرة للحكم بكون السارق قد تحقق فيه ما يوجب القطع بالأخذ المعتبر.
والسارق هو الركن الثاني، والسارق يشترط فيه: أولاً: أن يكون مكلفاً، فالصبي لا تقطع يده، وكذا المجنون لا قطع عليه بإجماع العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (رفع القلم عن ثلاثة -وذكر منهم- الصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق)، فإذا سرق وهو صبي أو مجنون فإنه غير مكلف.
ثانياً: أن يكون مختاراً، فلو أكره على السرقة، كما يقع في العصابات، حينما يكره بعض أفرادها، فيهدد بالقتل أو يهدد بالضرر على الوجه والشروط التي ذكرناها في تحقق شرط الإكراه، فإذا هدد وتحقق فيه شرط الإكراه وقالوا له: إذا لم تذهب معنا وتسرق فإننا نقتلك، أو نقتل ابنك، أو نؤذيك أذية هي أعظم من السرقة، فإذا تحقق فيه شرط الإكراه فإنه لا يقطع.
وعلى هذا ينبغي أن يكون مكلفاً بالبلوغ والعقل، وأن يكون مختاراً لا مكرهاً على السرقة.
ثالثاً: أن يكون ملتزماً بأحكام الشريعة الإسلامية، سواءً كان من المسلمين أو من أهل الكتاب كالذميين فإنهم التزموا بالعهد بأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وخاصة على القول بأنه يقام عليهم حكم الله عز وجل إذا تخاصموا إلينا، وأنهم مخاطبون بفروع الشريعة، فيشترط أن يكون ملتزماً مسلماً أو ذمياً، وخرج بهذا الحربي، فالحربي غير ملتزم بأحكام الشريعة، وكذلك -كما قيل-: المستأمن، فإن المستأمن إذا أخذ له الأمان فإنه في مذهب بعض العلماء غير ملتزم.
ومن هنا يشترط في السارق أن يكون مكلفاً ملتزماً مختاراً، فإذا تخلف أحد هذه الشروط لم يقطع، فبيّن رحمه الله شرط الالتزام بأحكام الشريعة.