[حكم من قال لزوجته: طالق، وقصد من وثاق أو نحو ذلك]
قال رحمه الله:[فإن نوى بطالق من وثاق].
وهذا على صورتين: الصورة الأولى: أن يقول للمرأة ذلك، وتصدقه.
فيقول: قلت لك: طالق، وقصدتُ مِن وثاق؛ كأن تكون كفيفة البصر، وكان قد قيدها، فقالت له: هل أطلقتني أو لا؟ فقال لها: أنت طالق، وقصد من وثاق، فإن صدقته أو قامت القرائن على صدقه، فحينئذ لا إشكال، بحيث إنه لا يرتفع الأمر لا إلى القاضي ولا إلى أي مسلم.
فهذا بينه وبين امرأته إذا قال لها: أنت طالق، وقصد من وثاق، وصدقت، فلا تطلق عليه ولا يقع الطلاق؛ لأنه لم يقع لفظ الطلاق الذي هو طلاق.
يعني: هو لم يقصد لفظ طلاق، وليس كالهازل الذي يقصد لفظ الطلاق وإن لم ينوِ الطلاق.
فهذا الشخص جاء بمادة طلق لا لحل العصمة، وإنما جاء بها لأمر آخر، ومادة (طلق) تستعمل في حل العصمة، وتستعمل في غير حل العصمة.
الحالة الثانية: أن تقوم القرائن على أنه أراد حل العصمة، مثل أن يقول لها في حال الخصومة: أنت طالق، أو يقول لها في حال الغضب: أنت طالق، وحينئذ إذا وقع شجار بينه وبين زوجته.
فقال لها: أنت طالق، ثم ادعى أنه أراد: طالق من وثاق، فالتلاعب موجود، أو يكون الشخص معروفاً بالكذب والخداع واللعب، فإذا غضب من امرأته، أو حصل بينه وبين امرأته شيء، فقال لامرأته: أنت طالق، فقالت له: أنا طالق؟! قال: قصدت من وثاق، فحينئذ ينظر إلى هدي الشرع.
وهدي الشرع أن هذا اللفظ -لفظ الطلاق- لفظ خطير لا يحتمل اللعب، ولا يمكن أن يفتح الباب لمن يتلاعب به، بدليل أن الهازل لما مزح مع زوجته أُلزم بطلاقها مع أنه لم يقصد الطلاق، فمقصود الشرع أن هذا اللفظ لفظ خطير موجب لحكمه، فإذا كان الشخص معروفاً بالكذب والخداع واللعب، وقال: قصدت من وثاق، ولم نلزمه الطلاق فمعنى ذلك أننا نفتح الباب للمتلاعبين، فتطلق عليه زوجته حكماً، أي: في الظاهر، وإذا رفع إلى القضاء في هذه الحال، وقال له القاضي: قلت: طالق؟ قال: قلت: طالق، وقصدت من وثاق، فالقاضي يأخذ بظاهر كلامه؛ لأنه إنما أمر أن يأخذ بظواهر الناس وأن يكل سرائرهم إلى الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الحكم في القضاء للظاهر، ولذلك قال:(إنما أقضي على نحو مما أسمع) فهدي الشرع يدل على أن الحكم للظاهر، وقد سبق وأن ذكرنا هذه المسألة في الألفاظ: أنه يلتفت إلى الظاهر، والباطن علمه عند الله، خاصة إذا كان صريحاً، والباطن له تأثير في مسائل الكنايات كما سيأتي في الألفاظ المحتملة.