بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فالمصنف عليه رحمة الله يقول: [ويشترط لوجوبه على المرأة وجودُ محرمها وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب].
شرع المصنف رحمه الله في بيان شرط من الشروط المعتبرة للحكم بوجوب الحج على المرأة، فلا يجب الحج على المرأة إلا إذا وجدت المحرم، ولا يجوز لها أن تخرج لحج ولا لعمرة إلا إذا كان معها محرمها، هذا كله إذا لم تكن بمكة، أما إذا كانت بمكة أو من حاضري المسجد الحرام دون مسافة القصر، فإنه إذا أُمِنَت الفتنة وأمكنها أن تحج مع الرفقة المأمونة فلا بأس؛ لأن خروجها إلى البيت الحرام والمناسك ليس هو بسفر ولا في حكم السفر، وإنما أوجب الله المحرم فيما إذا كان سفراً؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم).
فهذا الحديث الصحيح يدل على أن المرأة يجوز لها أن تخرج لما دون مسافة القصر بدون محرم؛ ولكن بشرط أمن الفتنة، ولذلك كان أمهات المؤمنين رضي الله عنهن يخرجن إلى المناصع من أجل البراز وقضاء الحاجة، وهذا خارج عن حجراته عليه الصلاة والسلام وبأطراف العمران بالمدينة.
وثبت في الحديث:(أن رجلاً قال: يا رسول الله! إني اكتتب في غزوة كذا وكذا، وإن امرأتي انطلقت حاجة، فقال عليه الصلاة والسلام: انطلق فحج مع امرأتك).
قوله:(ويشترط لوجوبه محرمها)، والمحرم: أصله من حرم الشيء يحرم فهو حرام ومحرم، ووصف المحرم بكونه محرماً؛ لأن الله حرم عليه نكاح هذا النوع من النساء، فمن حرم عليه نكاح المرأة؛ بسبب النسب، أو بسبب الرضاعة، أو بسبب المصاهرة، فإنه يعتبر محرماً لهذه المرأة، إضافة إلى الزوج، فإذا حرَّم الله عز وجل عليه نكاحها للسبب المباح، فإنه حينئذٍ يجوز له أن يسافر معها وأن يختلي بها وأن يصافحها، وأن يرى وجهها ويديها ونحو ذلك مما لا فتنة فيه.
ومسألة المحارم مسألة مهمة ويحتاجها الناس عامة، سواءً كانوا طلاب علم أو لم يكونوا من طلاب العلم.
فينبغي على المسلم أن يعلم إذا بلغ ما الذي أحل الله له من النساء، أن يختلي بهن وأن يصافحهن وأن يعطيهن حكم المحارم، وما الذي حرم الله عليه الخلوة بهن والسفر معهن وكذلك النظر إليهن ولمسهن.
وهذه مسألة -كما يصفها العلماء- من المسائل التي تعم بها البلوى، وينبغي تعليم أبناء المسلمين، وينبغي العناية بهذه المسألة خاصة من الخطباء والوعاظ والمرشدين، فالناس يحتاجون إلى بيان من هم المحارم، حتى يكونوا على بينةٍ من أمرهم، فيأتوا ما أحل الله ويذروا ما حرم الله عليهم.