للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مسألة الظفر]

كذلك استدل به بعض العلماء على مسألةٍ لطيفة وهي: مسألة الظفر، ومسألة الظفر: أن يظلم شخصٌ شخصاً في حق، كأن يعمل عنده ولا يعطيه راتبه، أو ظلمه فاغتصب منه مائة ألف أو عشرة آلاف ريال، وشاء الله عز وجل أن هذا المظلوم ظفر بمالٍ للرجل الذي ظلمه، فهل له الحق أن يأخذه خفية دون علم الرجل؟ وهل له الحق أن يتسلط على ماله بحكم المظلمة؛ لأن هند رضي الله عنها تسلطت على مال أبي سفيان رضي الله عنه باستحقاق؟ فأخذ منه بعض العلماء أنه إذا ثبت له استحقاق، جاز له أن يأخذ من المال بقدر ما ظُلِم به.

والصحيح أنه لا يجوز له ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)، فلو أن عاملاً ظفر براتبه من مال من يعمل عنده فقد خان الأمانة؛ لأنه مؤتمن على رعاية هذا المال.

وأما حديث هند هذا فلا يدل على مسألة الظفر بالعموم، بل نقول: الأصل أن تحفظ الأمانة، وجاء حديث هند في مسألة الأزواج والزوجات؛ لأن الزوجة إذا افتقرت ربما تعرضت للحرام، ولأن الزوجة إذا أخذت لا يتهمها زوجها، وتستطيع أن تقول له: نعم، قد ظلمتني في كذا وكذا، ولكن الرجل إذا كان أجنبياً عن مال الرجل فإنه يُتّهم، ويترتب على ذلك من الضرر ما لا يخفى.

فالذي يظهر -والله أعلم- أن حديث هند لا علاقة له بالمسألة من كل وجه، وهم جعلوه من باب القياس، فقالوا: يقاس على الزوجة، وفي الحقيقة أن تخصيص الزوجة أقوى وأولى؛ ولذلك لا يقوى القول بالعموم.

الشاهد: أن هذا الحديث يدل على أنه يجب على الزوج أن ينفق على زوجته، وقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول)، والذي يعول إنما هم الأقربون من زوجته وأولاده، وهم أقرب الناس إليه ممن يتولى رعايتهم، فقوله: (كفى بالمرء إثماً) يدل على أن الأصل أن يقوم عليهم، وأن الأصل والواجب عليه أن يقوم برعايتهم وسد حاجتهم وخلتهم في أمورهم وشئونهم.

بناءً على هذا نقول: دلّ دليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أن النفقة واجبة، وفي هذا عدلٌ من الله سبحانه وتعالى بين الأزواج والزوجات، فالرجل أعطاه الله حقوقاً والمرأة أعطاها حقوقاً، فكما أن المرأة مطالبة بأن تؤدي حق الرجل في فراشه وعفته والقيام على بيته وولده وإحسان التبعل له؛ كذلك الزوج مطالب بحقوق واجبةٍ عليه، فعدل ربنا سبحانه وتعالى بين الاثنين، يقص الحق وهو خير الفاصلين، ويحكم بالعدل وهو خير الحاكمين، سبحانه وهو رب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>