قال رحمه الله:[والتشهد الأول وجلسته] التشهد الأول وجلوسه كلاهما واجب، أما دليل الوجوب فما ثبت في حديث عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال:(صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم، فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم).
وهذا الحديث في الصحيح، ومثله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في كونه رضي الله عنه وقع في نفس السهو، ولما سبحوا له أشار إليهم أن قوموا، ثم سجد قبل أن يسلم سجدتين، ثم رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعل.
فهذان الحديثان يدلان دلالة واضحة على أن هذا الجلوس واجب، أما دليل وجوبه فكون النبي صلى الله عليه وسلم جبره بسجدتي السهو، فدل على أنه دون الأركان؛ لأنه لو كان ركناً لرجع له النبي صلى الله عليه وسلم، فكونه لم يرجع له يدلّ على أنه ليس بركن، وكونه يَجبُره بالسجدتين يدلّ على أنه من الواجبات وليس من السنن والمستحبات، وبناءً على ذلك ارتقى عن درجة السنن والمستحبات، ونَزَل عن درجة الأركان، فأصبح واجباً من واجبات الصلاة.
ولما كان هذا الموضع يشتمل على فعل وقول قالوا بوجوب كل منهما؛ لأن الجبر وقع لهما معاً، واستُدِل به على أن الواجبات تتداخل، فمن ترك أكثر من واجب جبره بسجدتين وكان ذلك كافياً له ومبرِئاً لذمته، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الواجب الفعلي وهو الجلوس، وترك الواجب القولي وهو قراءة التشهد.
فأصبح عندنا واجبان: الواجب الأول: الجلوس للتشهد بعد الفراغ من السجدة الثانية من الركعة الثانية.
الثاني: قراءة التشهد.
فإن تركهما جبرهما بسجود السهو، وإن ترك واحداً منها كأن يجلس وينسى أن يقول الشهد ثم يقوم، فإن كان وراء الإمام حمل الإمام عنه الذكر القولي، وإن كان منفرداً ومتعمداً بطلت صلاته، وإن كان ناسياً جَبَره بسجود السهو.