قال رحمه الله تعالى:[ويصلي الثانية كذلك ما عدا التحريمة والاستفتاح والتعوذ وتجديد النية] قوله: (الثانية) أي: الركعة الثانية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصف للمسيء صلاته الركعة الأولى أمره أن يفعل في الثانية مثل ما فعل في الأولى، والسنة أن تكون الثانية أخف من الأولى.
قال بعض العلماء: تخفَّف قسطاً.
وقال بعضهم: هي كالأولى في قدر المقروء.
وتوضيح هذين القولين أننا لو قلنا: تخفف قسطاً -أي: في القراءة، لأن طول القيام يقوم على القراءة- فمعناه: أن تختار سورة أقل من السورة التي في الركعة الأولى، وإن قلت: ليس المراد أن تخفف قسطاً، وإنما باعتبار فلك أن تختار سورةً مثل السورة التي في الركعة الأولى، ويكون التخفيف بفارق دعاء الاستفتاح في الأولى، فهذا الفرق بين الوجهين، تخفيفها قسطاً أقوى من جهة السنة، ولكن هناك أحاديث تدل على أنه لا حرج أن تتساوى الركعة الأولى مع الثانية في القراءة، ويكون الفضل لدعاء الاستفتاح، كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قراءته للزلزلة في الركعتين، قال الصحابي: ما أُرَاه إلا نسي.
وهو في الحقيقة لم ينس عليه الصلاة والسلام، وإنما فعل ذلك لكي يبين أنه لا حرج أن تقرأ في الركعة الثانية نفس السورة التي قرأتها في الركعة الأولى.
فهذا الحديث يشير إلى أن التخفيف في الركعة الثانية قد يكون باعتبار زيادة دعاء الاستفتاح، خاصةً إذا أطال الإنسان في قيام الليل، ولكن وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في تخفيفه للقراءة في الركعة الثانية عن الركعة الأولى، وبناءً على هذا يكون حال الإنسان في الركعة الثانية أخف، فلا يدعو بدعاء الاستفتاح، ولا يُكبر تكبيرة الإحرام، وإنما يكبر تكبيرة الانتقال، ولا يتعوذ على ما اختار المصنف، وإن كان الأقوى أنه يتعوذ، وذلك لقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}[النحل:٩٨]، وللعلماء في هذه المسألة وجهان: فمنهم من قال: يتعوذ.
ومنهم من قال: لا يتعوذ.
والسبب في هذا الفاصل، فهل هو من جنس العبادة الواحدة، أم من جنس العبادة المختلفة؟ والأقوى أنه يتعوَّذ، فالذين يقولون: إن انتقاله لا يؤثر يقولون: ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ -كما في حديث ابن مسعود - في قيام الليل، فما مر بآية رحمةٍ إلا سأل الله من فضله، ولا مر بآية عذاب إلا استعاذ بالله، قالوا: ففَصَل بين القراءة الأولى والقراءة الثانية بالتعوذ وسؤال الرحمة، ومع ذلك لم يبتدئ قراءته من جديد.
فدل على أن الذكر الذي هو من جنس القراءة في حكم المقروء، وبناءً على ذلك قالوا: الفصل بالركوع والسجود وأذكارهما بمثابة كأنه في عبادةٍ واحدة.
وقال الآخرون: إن الاستعاذة لفظٌ مخصوص، وزيادته في الصلاة تحتاج إلى دليل.
والأقوى أنه يتعوذ لعموم الأدلة، ولا مُخصِّص يدل على سقوطها في هذا الموضع، فيبتدئ بالاستعاذة.