[حصول الرجعة بالوطء]
قال رحمه الله: [وتحصل الرجعة أيضاً بوطئها].
أي: لو أنه وطئ الزوجة الرجعية فإن هذا الوطء يعتبر مراجعة، وقلنا: قد تكون الرجعة بالقول وتكون بالفعل، فالرجعة بالفعل كالجماع، فلو أن رجلاً طلق امرأته الطلقة الأولى أو الطلقة الثانية بعد الدخول، ثم بعد ذلك مكثت الحيضة الأولى وطهرت، والحيضة الثانية وطهرت، ثم أراد أن يجامعها فجامعها، فالجماع من أقوى الأدلة على الرغبة في الإنسان، والله يقول: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة:٢٣١]، {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:٢٢٩] والفعل يدل على الإمساك كما يدل عليه القول؛ لأنه ليس معقولاً أن يطأ امرأة أجنبية، فلما حصل الوطء دل على رغبته فيها، وحبه لها ولعودها زوجة له كما كانت؛ لأن الرجل لا يحل له أن يطأ الأجنبية، وبناءً على ذلك يكون وطؤه لها رجعة، فتقع الرجعة بالفعل وهو الوطء كما تقع بالقول.
واختلف العلماء في ذلك: فمن أهل العلم من قال: الوطء دليل على الارتجاع، سواء نوى أو لم ينو، فلو أنه جامع زوجته وهي في عدتها حكمنا برجوعها له على ما اختاره المصنف وهو مذهب الحنابلة؛ سواء نوى أو لم ينو.
ومن أهل العلم من قال: إذا جامعها وهو لا ينوي ارتجاعها فإنه في هذه الحالة لا يعتبر مراجعاً لزوجته؛ لأنه يشترط أن ينوي.
وبالمناسبة: أن المرأة المطلقة طلاقاً رجعياً تبقى في بيت الزوجية كما ذكرنا، وهذا البقاء يحرك الزوج إلى إعادتها، ولذلك قال الله عز وجل يشير إلى هذه الحكمة العظيمة: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:١] ولا يريد الله بعباده إلا كل خير، ولا يريد إلا ما يعود عليهم بالخير في دينهم ودنياهم وآخرتهم، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥].
فإذا كان أهل الزوجة وأم الزوجة وأبو الزوجة كل منهم يتمنى، وأبناء الزوجين يتمنون أن تعود هذه الزوجة ويحبون عودتها، فإن الله أرحم بخلقه من هؤلاء بأنفسهم؛ لأنه يحب سبحانه لهم الخير، لأنه يعلم أن الشيطان دخل بين هذه الزوجة وزوجها حتى طلقها كما في الحديث الصحيح: أن الشيطان من الشياطين لا يدنو ولا تعلو منزلته عند الشيطان الأكبر إلا إذا فرق بين الزوج وزوجته؛ لأنه من أعظم ما يكون، فمن حكمة الله عز وجل أن جعل المرأة تعتد في بيت الزوجية، فإذا اعتدت هناك فإنها تتحرك النفوس بالذكريات، ويحس بقيمتها وتحس هي بقيمته فيتحرك كل منهما للآخر، فإذا كان الخطأ شنيعاً وقف صاحب الحق لكي يؤدب الطرف الثاني، وذل المخطئ لمن أخطأ عليه، حتى التحاكم فيما بينهما يكون في مكان واحد ولا يدخل بينهما أجنبي؛ لكن إذا رجعت إلى بيت أبيها أفسدت على زوجها، وأفسد الزوج على زوجته، ودخل الأجنبي فساءت الأمور أكثر كما ذكرنا.
لكن عندما تكون المرأة في بيته فإنه إذا كان يراها معتدة في بيته ولا يمكن أن يخرجها، وليس من حقه أن يخرجها، وفي المساء والصباح يصبح ويمسي ويراها أمامه، فهذا يحركه: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:١] فيحرّكه إلى أن يرتجعها، فلا يملك بحكم المحبة إلا أن يشتاق إليها ويجامعها.
فإذا كان شوقه إليها بقصد الرجعة فلا إشكال، وأما إذا جامعها دون أن يقصد ارتجاعها فحينئذٍ عند من يرى أن المطلقة طلاقاً رجعياً أجنبية يرد
السؤال
هل يعتبر زانياً؟ وهل يقام عليه الحد؟ لأنه ما قصد بها الوطء الشرعي.
قال جماهير العلماء: إنه لا يوجب الحد، لكن من أهل العلم من قال: إذا لم يقصد رجعتها -على القول بأنه وطئ بدون نية- فإنه لا يوجب الرجوع، وعلى هذا القول يقولون: يجب تعزيره، وحينئذٍ يعزره القاضي ويؤدبه إذا أقر على نفسه أنه جامعها ولكنه لم ينو بجماعها الرجعة.
فبيّن رحمه الله أن الرجعة تكون بالقول والفعل، فإذا جامعها ناوياً ارتجاعها وقعت الرجعة.
وأكمل ما تكون الرجعة أن يقول: ارتجعت زوجتي، ويشهد شاهدين على ارتجاعه، ثم يجامعها بنية الارتجاع، فحينئذٍ اجتمعت النية واجتمع القول والفعل، وأما القول مع النية فلا إشكال، كأن يقول: راجعت زوجتي ناوياً عودتها إلى عصمتي.
وأما نية وفعل فأن يجامع زوجته قاصداً ارتجاعها؛ فهذه كلها من صور ارتجاع الزوج لزوجته.