للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صفة تكفين الميت]

[ويستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض].

بعد أن بين لنا رحمه الله حكم الكفن، وأنه يجب عليك أن تكفن أخاك المسلم إذا مات، شرع في بيان ما يحصل به الكفن، وهذا يختلف باختلاف الجنسين، فالرجال لهم حكم والنساء لهن حكم.

فالرجال لهم حكم يختص بهم لثبوت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قدر ما يكفن به المسلم، والنساء لهن حكم فيما يكفَّن به، فابتدأ بالرجال، فقال رحمه الله: (ويستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض)، وهذه الجملة مبنية على ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، كما جاء في حديث أم المؤمنين في الصحيحين: (كُفّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة).

والثلاثة الأثواب لها صور: إما أن تمد لفائف ويوضع الميت عليها، ويكون القميص والعمامة فضلٌ عن الثلاث في الأصل، فحينئذٍ تكون مجموع ما يكفن به خمسة في الحقيقة وثلاثة في الصورة، وذلك لأن القميص والإزار كانا عليه عليه الصلاة والسلام؛ ولم يجرد عليه الصلاة والسلام منهما، وبالنسبة للأكفان الثلاثة تبسط بالصورة التي سنذكرها، فيكون المجموع: القميص ثوب، والإزار ثوب، والثلاث لفائف ثلاثة أثواب؛ فأصبح المجموع خمسةً، هذا بالنسبة للأكمل والأفضل في تكفين الرجل.

قال بعض العلماء: إنه يكفن في ثلاثة أثواب، ويكون منها القميص والإزار، فيكون القميص لأعلى البدن، والإزار لأسفل البدن، فحينئذٍ يكون كل منهما يعتد به ثوباً، فيصبح المجموع ثوبين، والثوب الثالث هو اللفافة التي تلف عليه، فتكفين الميت في ثلاثة أثواب له هاتان الصورتان: إما أن يكفن بقميصٍ وإزارٍ ولفافة، فالمجموع ثلاثة، أو يكفن بثلاثة أثواب فضلاً عن القميص والعمامة.

وهذا التكفين على سبيل الاستحباب، وإلا فالأصل أنه لو تعذر تكفين الميت بحيث لم نجد إلا ثوباً واحداً يستر عورته فإنه يجزئ، ويكون محصلاً للواجب وموجباً لبراءة الذمة، فلو أنه كفن في ثوبٍ واحد يستر بدنه ويستر عورته أو يستر أغلب بدنه ومنه العورة؛ فإنه يجزئه.

فلو أن قوماً مات عليهم رجل في صحراء، وليس عندهم ما يكفنونه به، ولكن هذا الرجل عليه قميصه وإزاره وثوبه الذي فوقه، فغسل ثم لبس ثوبه وصار كفناً له، قالوا: يعتد بذلك ويجزئ؛ لأن المقصود هو ستره.

والدليل على أن العدد لا يشترط، وأن المقصود هو ستر الميت: ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه قُتِلَ يوم أحد وليست له إلا شملةٌ واحدة، إن غطوا بها قدمه بدا وجهه، وإن غطوا بها وجهه بدت قدماه، فقال صلى الله عليه وسلم: (غطوا بها وجهه، واجعلوا على قدميه شيئاً من الإذخر) فكونه عليه الصلاة والسلام يكتفي بثوب واحد يدل على أن مقصود الشرع هو ستر الميت وستر عورته، فإذا ضاق الحال ولم يتيسر إلا ثوب واحد كفاه.

ولذلك كان عتبة بن غزوان رضي الله عنه إذا أراد أن يضرب المثل بفقر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من الشدة في عهده صلى الله عليه وسلم، ذكر قصة مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه، وقال: (فمنا من مات ولم يهدب ثمرته، منهم مصعب من عمير، كانت له شملة إذا غطوا بها وجهه بدت قدماه، وإذا غطوا قدميه بدا وجهه، فقال صلى الله عليه وسلم: غطوا بها وجهه ... ) الحديث.

فهذا يدل عل أن الثوب الواحد يكفي، ولذلك قال المصنف: (يستحب) فدل على أن الثلاثة ليست بواجبة، وإنما هي السنة والأفضل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>