[عدم جواز إخراج المصاحف الموقومة وغيرها من المساجد]
السؤال
لا يخفى على فضيلتكم ما لكتاب الله عز وجل من تأثير في النفوس، كما لا يخفى الأجر العظيم المترتب على تلاوته، وحفظه، وتدبره، وحيث أن كثيراً من أبناء العالم الإسلامي حرم هذا الأجر بسبب عدم تملكه لكتاب الله، ولضيق ذات اليد، وحيث إنه توجد أعداد كثيرة من نسخ المصحف في المساجد، وهي في حالة جيدة موضوعة في المستودعات، وعدم الحاجة إليها، مما يعرضها للتلف، والامتهان، إضافة إلى عدم الاستفادة منها، حيث أن المساجد تستقبل سنوياً أعداداً جديدة من المصاحف، مما يجعل القديمة التي في حالة جيدة لا يستفاد منها، لذا اقترح بعض منسوبي بعض الجمعيات الخيرية، والتي لها نشاط واسع في أنحاء العالم، وخاصة العالم الإسلامي: مخاطبة أئمة المساجد بأخذ تلك المصاحف الموجودة في المستودعات، والتي غالبها من طبعة المجمع، ولا يُحتاج لها، وإرسالها مع الدعاة إلى تلك المناطق الخارجية؛ لتوزيعها على المسلمين هناك مجاناً للاستفادة منها، لذا نأمل منكم إيضاح الحكم الشرعي في هذه المسألة أثابكم الله؟
الجواب
أولاً: حقيقة هذه الطبعة-طبعة المجمع- من يعرف حال الطبعات قبل عشرين سنة، أو ثلاثين سنة، يعلم أنه من أجل نعم الله، وأعظم نعم الله عز وجل في حفظه لكتابه وجود هذه الطبعة، هذه الطبعة التي نعرف من العلماء والأئمة الذين قاموا على تحريرها وضبطها، ممن شُهد لهم في العالم الإسلامي من أئمة القراءة، ومن علماء الأزهر، ومشايخ الأزهر القدماء، الذين نعرفهم بالصلاح والاستقامة والضبط والتحرير، وبلوغ الإمامة في هذا الشأن، وغيرهم من العلماء الفضلاء، رحم الله أمواتهم! وأحسن الخاتمة لأحيائهم وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، هذه الطبعة: الحقيقة كنا في الحرم النبوي نجلس فتأتي طبعات من مختلف العالم الإسلامي، بعضها القرآن فيها محرف، يعني: اطلعنا على بعض طبعات محرفة، والكلام محرف، والآيات فيها سقط، وفيها تحريف، فنعمة عظيمة من الله عز وجل وجود هذه الطبعة، نسأل الله أن يعظم الأجر والمثوبة لمن كان سبباً فيها؛ لأنها حقيقة أغنت العالم عن كثير من الغثاء، وعن الدَّخل الذي ضر المسلمين في كتاب الله، وأن الله تكفل بكتابه.
المسألة الثانية: مسألة المصاحف الموجودة في المساجد لا يجوز إخراجها من المسجد، هذا أول شيء.
والأصل أنه إذا وضع في مكان، هذا يسمونه: دلالة الفعل على خصوص الحبس، والوقف هو الحبس.
أولاً: الوقف إذا وضع في مكان، كأن يضع فراشاً في مسجد، نفهم من هذا الفعل أنه قصد وقفه على هذا المسجد، ولو لم يتلفظ بلسانه، فيصبح وقفاً على هذا المسجد إلى أن يتلف بالكلية، فلا يجوز إخراج المصاحف من المساجد، حتى ولو كانت قديمة، وهذا للأسف يتساهل فيه البعض، والذين أوقفوا مصاحف للمساجد، فهم يرجون الأجر والمثوبة، وفيهم أموات أوقفوا هذه المصاحف، وهذه البسط، وهذه الأجهزة، لا يجوز لأحد أن يقدم على التغيير، أو التبديل بها إلا بوجه شرعي، هذا أمر مقرر عند العلماء في الوقف.
ثانياً: حينما يقول الإنسان: أوقفت هذا، أو سبلت هذا، فقد أخرجه من ملكيته لله عز وجل، ما يستطيع أحد أن يتولى النظر فيه؛ لأنه أصبح وقفاً لوجه الله عز وجل، مسبلَ المنافع، فلا يجوز العبث بالأشياء الموجودة في المساجد والاجتهاد فيها، إلا ممن له الشأن في ذلك، هذه المصاحف تكتبون في شأنها إلى جهات الأوقاف، هناك جهات معنية بهذا الشيء، مفوض إليها النظر في هذا الشيء، هي التي تتحمل المسئولية، أما أن يأتي كل شخص ويجمع المصاحف من المساجد ويخرجها ويرسلها إلى الخارج فلا! هذا اجتهاد باطل مردود؛ لأن هناك ضوابط شرعية.
هذا وقف مسبلٌ على هذا المسجد، فلا يجوز إخراجه.
نعم هناك أماكن تحتاج إلى مصاحف، ليس معنى هذا أنها ما تحتاج، بل هناك حاجة وهناك فاقة، بإمكانك أن تكلم الأغنياء أن يشتروا نسخاً وطبعات وترسل بها إليهم.
هناك جمعيات جزاهم الله كل خير، يعتنون بهذا الأمر، لكن ليس من حق الإنسان أن يأتي إلى طبعة موقوفة في المسجد، ويخرجها من هذا المسجد، هذا أمر لا إشكال فيه، من جهة الوقفية هناك أمور: الأمر الأول: أن من سبل أو حبس، فإنه لا يجوز لأحد أن يخرج حبسه عن مكانه إلا بوجه شرعي، ولذلك قالوا: إن الأوقاف لا تباع إلا بقضاء من القاضي؛ لأنه ليس لها ولاية، فتحتاج إلى الولاية العامة من القاضي؛ حتى يحكم ببيعها وصحة التصرف فيها.
الأمر الثاني: لا يجوز لأحد أن يأتي والمصاحف موجودة في المسجد، ويدخل مصاحف جديدة، مادام المسجد مستكفياً، ولذلك مادام أن المسجد مستكفٍ، فاذهب بالمصاحف إلى مسجد آخر، وبدلاً من أن تخرج المصاحف القديمة التي أوقفها أصحابها فبقاؤها أولى وأسبق، خذ الأشياء الجديدة وقل لهم: أرسلوها إلى من هو أحوج، أما من سبق فهو أحق، ولذلك لا ينبغي إخراج حتى الفراش، لو أن شخصاً فرش مسجداً، وفتح هذا الباب، لأتى شخص وقال: والله هذا الفراش ما يعجبني، فيأتي بفراش آخر، والثاني يقول: وأنا أيضاً هذا الفراش ما يعجبني، أبغي الأجر والمثوبة، وَلَمَا انتهى هذا الأمر، ولذلك الأصل أن من سبق فهو أحق، ونقول لمن لحق: ابحث عمن هو أحوج، واجعلها له، إن شئت أن توقف مصاحف، أو أن توقف أجهزة، أو أن توقف أشياء أُخر، فالأصل أنه ليس من صلاحية الإمام ولا غيره النظر في هذه الأشياء، إنما توكل إلى من هو معني بهذا الأمر، تكتبون إليه، ثم يُجتهد في هذا الأمر بما فيه المصلحة، نسأل الله التوفيق لذلك! أحب أن أنبه إلى ما يعانيه إخوانكم في فلسطين من الكرب العظيم، والبلاء العظيم الذي نزل بهم، نسأل الله بعزته وجلاله أن يعجل بالفرج لنا ولهم وللمسلمين، وتعلمون كما لا يخفى على الجميع تكالب أعداء الإسلام عليهم، وما فعله اليهود بهم، الأمر الذي يحتم على المسلم أن يكون مع إخوانه، كما بين الله عز وجل في كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من وجوب نصرة المسلم لأخيه المسلم بكل ما تعنيه هذه الكلمة، ولذلك أقول: على كل مسلم أن يقدم ما يستطيع تقديمه لإخوانه، ومن أعظم ما تنصرون به إخوانكم كثرة الدعاء، فإن الدعوة فيها خير عظيم، ولعل دعوة منك تفتح لها أبواب السماوات، تفرج بها كربات المؤمنين والمؤمنات، ترفع بها إلى عالي الدرجات، وتعظم لك فيها الحسنات في الدنيا والآخرة، فاجتهدوا -رحمكم الله- في الدعاء لإخوانكم، وتصوروا كربهم حينما يقتل شيوخهم، وترمل نساؤهم، وييتم أطفالهم، وهم إخوانك في الدين والعقيدة، وما نقموا منهم إلا أنهم آمنوا بالله، وصدقوا رسله، فالمسألة مسألة إيمان وعقيدة، فعلى المسلم أن يجتهد في الدعاء لهم بين الأذان والإقامة، وفي السجود في الأسحار، في مظان الإجابة، عند خشوعه، وحضور قلبه، يجتهد في الدعاء لإخوانه المسلمين.
فنسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، اللهم!! أنت الله لا إله إلا أنت يا من يكشف البلاء! ويزيل العناء! يا فاطر الأرض والسماء! لا إله إلا أنت، نسألك اللهم!! أن تجعل لإخواننا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، اللهم!! داو جرحاهم، واشف مرضاهم، وتقبل شهداءهم، اللهم! ثبت أقدامهم، وسدد سهامهم، وصوب آراءهم، واجمع شملهم، وأصلح ذات بينهم، يا حي يا قيوم! اللهم!! بارك أرزاقهم، اللهم!! بارك أرزاقهم، اللهم! بارك أقواتهم، اللهم! بارك أرزاقهم وأقواتهم يا حي يا قيوم! اللهم! أنزل عليهم من الثبات والصبر أضعاف ما أنزلت عليهم من البلاء، اللهم! إن اليهود قد طغوا، وبغوا، وأسرفوا، وأرجفوا، اللهم! جبار السماوات والأرض لا إله إلا أنت، يا من يسمع الدعاء! ويكشف البلاء! يا فاطر الأرض والسماء! يا حي يا قيوم! يا حي يا قيوم! يا حي يا قيوم! نسألك اللهم بأنك أنت الله لا إله إلا أنت أن تزلزل عروشهم، اللهم! زلزل عروشهم، اللهم! صدع بنيانهم، اللهم! شتت شملهم، اللهم! فرق جمعهم، اللهم! أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم! اسلبهم عافيتهم، واشدد عليهم وطأتك، وأنزل بهم رجزك ولعنتك، إله الحق لا إله إلا أنت، اللهم! شتت شملهم، وشمل من شايعهم، وظاهرهم، وأعانهم، ورضي أفعالهم، اللهم! اقصم ظهورهم، اللهم! اقصم ظهورهم، وشتت أمورهم، اللهم! شتت أمورهم، يا حي يا قيوم! اللهم! أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم! أرنا فيهم عجائب قدرتك، عجل لنا ولإخواننا بالفرج، لا إله إلا أنت، لا إله إلا أنت، لا إله إلا أنت، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.