الجلد قبل الدباغ على وجهين: الوجه الأول: أن يكون جلد مذكاة، فجمهور العلماء على أن جلدها وأجزاءها كلها طاهرة بالذكاة.
وأما بالنسبة للميتة التي ماتت حتف نفسها، فهل يطهر جلدها إذا دبغ أو لا يطهر؟ للعلماء رحمهم الله وجهان: أصحهما مذهب الجمهور: أن الأديم والجلد إذا دبغ طهر، لقوله عليه الصلاة والسلام:(إذا دبغ الإهاب فقد طهر)، وقوله في الصحيح:(أيما إهاب دبغ فقد طهر)، وقال في الحديث الحسن:(دباغ الأديم ذكاته) فإذا كان جلد ميتة ودبغ ثم بيع فلا بأس ولا حرج، وإذا كان جلد مذكاة فبيع قبل الدباغ فلا بأس ولا حرج، وإن كان جلد ميتةٍ وبيع قبل الدباغ فذلك لا يجوز؛ لأنه في حكم الميتة، وقد ثبت في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم:(خطب في الغد من يوم الفتح فقال: إن الله ورسوله حرم بيع الميتة، والخمر، والخنزير، والأصنام)، فهذا يدل على أن الميتة بجميع أجزائها التي تقبل الحياة لا يجوز بيعها، وبناءً على ذلك: فكما أنه لا يجوز بيع الميتة كلها فلا يجوز بيع أجزائها التي تقبل الحياة، فإذا دبغ جلدها صار طاهراً؛ لأن العلة في هذه الأربع النجاسات كما في حديث جابر بن عبد الله: إما معنوية أو حسية أو جامعة للحس والمعنى، ولذلك يقول العلماء -وممن ذكر هذا ابن رشد في بداية المجتهد -والأصل تحريم بيع الأعيان النجسة لحديث جابر بن عبد الله، فالنجاسة الأصل في تحريم بيعها حديث جابر بن عبد الله هذا، فإن من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر نجاسة في حيوان حي، ونجاسة في حيوان ميت، وذكر نجاسة الجامد والماء، وهذا لأجل أن يكون الحديث أصلاً لغيره فيقاس عليه غيره؛ لأن الشيء إما من الحيوانات وإما من غير الحيوانات، وغير الحيوانات إما جامد أو مائع، والحيوان إما حي أو ميت، فدل هذا على صحة القياس، وأن المقصود أن يلحق بهذه الأشياء غيرها، وبناءً على ذلك: فلو باع جلد الميتة قبل الدباغ، فإنه قد باع نجساً، والنجاسات لا يجوز بيعها في قول جماهير السلف والخلف، فلا يحل مالها ولا يحل أكل ثمنها، ولذلك حرم بيع الكلب وهو نجس، وقال صلى الله عليه وسلم:(ثمن الكلب سحت)، وقد قال في حديث عبد الله بن المغفل في الصحيح:(طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات وعفروه ... )، الحديث، فنبه على نجاسته فإذا ثبت هذا فالبيع هذا فيه هذا التفصيل، وأما إذا كانت ميتة ودبغ جلدها فالحنابلة يقولون بنجاسته ولو دبغ ويستدلون بحديث عبد الله بن عكيم عن أشياخ بني جهينة أنهم أتاهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بشهر أو شهرين:(أن لا تنتفعوا من الميتة بيهاب ولا عصب)، وهذا حديث ضعيف وهو مضطرب إسناداً ومتناً؛ ولذلك لا يُعارض، ولو قيل بتحسينه، فإنه لا يقوى على معارضة ما في الصحيح، وبناءً على ذلك فإننا نقول: إن جلد الميتة إذا دبغ حل بيعه؛ لأنه صار طاهراً، وإذا لم يدبغ بقي على الأصل، فهو نجس والنجاسة لا يجوز بيعها ولا شراؤها.