قال رحمه الله تعالى:[وإن قالته لزوجها فليس بظهار وعليها كفارته] في هذه الجملة سيبين المصنف رحمه الله أن الظِهار لا يصح إلا من الزوج، فلا يصح من الزوجة أن تظاهر من زوجها بأن تجعله في مقام أبيها أو أخيها أو ابنها، أو نحو ذلك ممن هم من القرابة، وعلى هذا جماهير السلف والخلف والأئمة رحمهم الله، واستدلوا بقوله تعالى:{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ}[المجادلة:٢]، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}[المجادلة:٣].
فدلت هذه الآية الكريمة على أن الظِهار إنما يقع من الزوج لزوجته، ولهذا لو قالت المرأة لزوجها: أنتَ عليّ كأبي، أو أنتَ عليّ كأخي، أو نحو ذلك فليس بظهار.
قوله:(وعليها كفارته).
اختلف العلماء رحمهم الله في الواجب عليها، فجمهور الأئمة على أن المرأة لو خاطبت زوجها وقالت له: أنتَ عليّ كأبي قاصدة الظِهار، فإنه لغو ولا شيء عليها، فلا كفارة يمين ولا كفارة ظهار، وإنما قالت منكراً من القول وزوراً مما لا يعتد به ولا يشتغل به، ولكن لا شك أنها قالت أمراً يحرم عليها قوله، فتستغفر الله وتتوب إليه.
وذهب طائفة من العلماء إلى أنها لو قالت لزوجها: أنت عليّ كأبي، فإنها تكفر كفارة اليمين، كما قاله الإمام الأوزاعي الفقيه الشامي المشهور.
وقال بعض العلماء: بل تكفر كفارة الظهار.
والصحيح القول الأول: أنه لا كفارة عليها؛ لأن الأصل براءة الذمة حتى يدل الدليل على شغلها، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على ثبوت كفارة الظِهار في الظِهار المعتبر، وهذا ليس بظهار، وثبوت كفارة اليمين في اليمين المعتبرة، وهذا ليس بيمين، وبناءً على ذلك فإنه لا يصح إلحاقها بالزوج في إيجاب الكفارة عليها.
ولذلك لو قال رجلٌ لامرأته: أنتِ عليّ كظهر أمي لزمته الكفارة بالعود -أي: بالجماع- ولم تلزمه لمجرد القول، فما دام أنهم يقولون: إن الظِهار لا يقع فمعنى ذلك أنها تعود إلى زوجها، ولذلك يقوى القول بأنه لا تجب عليها الكفارة أصلاً، وأن هذا لغو، ولا شيء عليها إلا الندم والاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل.
وهذا إذا لم تقصد بقولها: أنت عليّ كأبي التكريم؛ لأنها ربما قالت لزوجها وبعلها -من باب الإكرام-: أنتَ عليّ كأبي.
أو أرادت أن تعزه وتجله فتقول له: أنت في مقام أخي، أو: أنت عليّ كأخي، ولا تقصد بذلك تحريماً.