قوله:(كون مستحقه)، الضمير عائد إلى القصاص، (مكلفاً) أي: بالغاً عاقلاً، فالمستحق للقصاص هو ولي المقتول الذي له حق طلب القصاص، وله حق العفو عن القصاص، كأبيه وابنه وأخيه من عصبته، وهل يدخل في هذا النساء؟ فيه قولان لأهل العلم: فمنهم من قال: حق القصاص للقرابة الوارثين سواءٌ أكانوا من جهة النسب أم من جهة السبب، فتدخل الزوجة، وهو الذي عليه الأصحاب في المذهب، وهناك رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى وهي مذهب المالكية، واختارها الإمام العلامة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى إمام العلماء، أنها للعصبة، والذين قالوا: إنها لأهل الميراث ذكوراً وإناثاً، فعلى قولهم يكون للزوج الحق، وأما على القول الثاني فليس للأخت ولا للبنت ولا للزوجة حق، وإنما هو حق للرجال العصبة، وهذا هو الصحيح الذي تميل إليه النفس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح:(أما أنتم يا خزاعة فقد قتلتم القتيل وأنا عاقله)، ومن جهة قال:(من قتل له قتيل فأهله بخير النظرين).
فقوله عليه الصلاة والسلام في هذه القضية:(من قتل له قتيلٌ فأهله)، و (أهل): أصلها في لغة العرب آل؛ ولذلك فإن المراد بهم آل الرجل، وهم عصبته المتعصبون حوله، وهذا يشمل الرجال دون النساء، يقال: آل الرجل في العصبة، وقال الناظم: قال الإمام سيبويه العدل أصل آل لديهم أهل فالأهل في قوله: (فأهله بخير النظرين) أي: قرابته وعصبته.
والذين قالوا: إن النساء يدخلن، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأهله)، والأهل يشمل الزوجة، وهذا ضعيف؛ لأن إطلاق الأهل إذا جاء في جانب العصبة والقتل فالأشبه به الآل والقرابة، تقول: آل فلان، بمعنى قرابته من جهة الرجال لا من جهة النساء.
وإما إطلاق الأهل على الزوجة فهذا معروف في لسان العرب، كما قال تعالى:{فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا}[طه:١٠]، أي: لزوجته، لكن هنا الأهل بمعنى: الآل، وليس الأهل بمعنى الزوجة والقرابة، وإلا لضاق معنى الحديث:(فأهله بخير النظرين)، والأشبه في هذا أن يليه الرجال، وهذا صحيح؛ لأن النساء الغالب فيهن الشفقة وفيهن الضعف، وهذا لا تسكن به تارة النفوس، ولا تستقر به الأحوال غالباً، ولذلك فولاية الرجال فيه أحظ وأقوى، وهو الأشبه إن شاء الله تعالى.
إذاً: يشترط في الولي أن يكون مكلفاً، والتكليف فيه جانبان لا بد من توفرهما في الإنسان ليحكم بكونه مكلفاً: أولهما: البلوغ، والثاني: العقل.
قال الناظم: وكل تكليف بشرط العقل مع البلوغ بدم أو حمل أو بمني أو بإنبات الشعر أو بثمانية عشر حولاً ظهر وإن كان الصحيح في البلوغ في السن أنها خمسة عشر حولاً، لكن المراد أن التكليف له شرطان: أحدهما: البلوغ، والثاني: العقل، فإذا كان ولي المقتول مجنوناً فلا يستوفي القصاص حتى يفيق من جنونه، وإن كان صغيراً دون البلوغ فإنه ينتظر إلى بلوغه.