أي: ولا يصحُّ بيع عبد من عبيده، وفي القديم كان بيع العبيد والأرقاء، وذكر بيع العبد من عبيده يدخل فيه بيع شاة من الشياه، وبيع بقرة من البقر، وبيع ثوب من الثياب، فأصل المسألة بيع المجهول، وإذا قال له: أبيعك عبداً من عبيدي، أو ثوباً من ثيابي، أو شاةً من شياهي، أو بقرةً من البقر الذي عندي، فهذه لها صورتان: الصورة الأولى: أن يكون الجميع بمنزلة واحدة، ولا تتفاوت واحدة عن أخرى، فيقول له: أبيعك عبداً من عبيدي وكلهم في مرتبة واحدة، وفي درجة واحدة، وفي صفة واحدة من حيث الجودة أو الرداءة، أو يقول له -كما هو موجود في عصرنا الحاضر-: أبيعك سيارة من سياراتي، وعنده ثلاث سيارات كلها بصفة واحدة، أو أنه لا يورِّد إلاّ نوعاً معيناً من السيارات وكلها بصفة واحدة، فإذا قال له: أبيعك عبداً من عبيدي، أو ثوباً من ثيابي، أو قلماً من أقلامي، أو كتاباً من كتبي، أو سيارة من سياراتي، أو عمارةً من عماراتي، وكلها بصفة واحدة، صحَّ البيع ولا إشكال؛ لأن البيع قد تردد بين أشياء متساوية، فلا غرر، إن أخذ هذا فهو كأخذه لهذا، وحينئذٍ يكون التغرير زائلاً إذا وصف أحدها صفة تزول بها الجهالة.
أمّا لو قال له: أبيعك كتاباً من كتبي، وكتبه لا تعرف، فهذا قطعاً من المجهول، وهو محرم؛ لكن إذا قال له: أبيعك كتاباً من صحيح البخاري من النسخ الموجودة عندي، والنسخ كلها بمرتبة واحدة صحَّ، أو قال: أبيعك قلماً من أقلامي، وهو ليس عنده إلاّ نوع معين من الأقلام، وكله بصفة واحدة صحَّ، إذاً: ما دام أنّ المبيع يتردد على صفة واحدة فلا غرر ولا إشكال، فكل واحد منها قائمٌ مقام ما هو مثله.
الصورة الثانية: أن يقول له: أبيعك عبداً من عبيدي، أو ثوباً من ثيابي، أو قلماً من أقلامي، أو سيارة من سياراتي، وهي متفاوتة، فأسعارها مختلفة، وصفاتها مختلفة، فحينئذٍ لا يجوز البيع، ولا يصح؛ والسبب في هذا: أنه إذا قال له: أبيعك سيارة من سياراتي، أو أرضاً من أراضيّ، أو عمارةً من عماراتي، فإنه قد ردده بين جيد ورديء، فتنصرف همة وقصد المشتري إلى الجيد، وتنصرف همة البائع إلى الرديء، فإن أخذ المشتري الجيد ظلم البائع، وإن ألزم البائع المشتري بالرديء فقد ظلمه، فكل منهما يريد أن يغرر بالآخر، وكأن البيع وقع على شيء لا يدرى أهو الجيد أو الرديء؟ فسر المسألة: أنه يجعله في مجهول، ويتردد بين مجهولين أو ثلاثة مجاهيل أو أكثر، فإذا جعله متردداً بين الرديء والجيد على الصفة التي ذكرناها حَرُمَ البيع.