للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم قراءة القرآن بغير العربية]

السؤال

هل تجوز قراءة القرآن بغير اللغة العربية؟

الجواب

لا يجوز قراءة القرآن بغير اللغة العربية؛ لأن الله وصف القرآن بأنه بلسان العرب، قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:١٩٤ - ١٩٥].

فلا بد أن تكون القراءة بلسان عربي، ولا يجوز لأحد أن يقرأ القرآن بغير اللسان العربي، وأما ترجمة معاني القرآن فلا تجوز القراءة بها؛ لأن بعضهم يأخذ هذه الترجمة ويقرأها على أنها قرآن يتعبد الله به، وهذا خطأ وينبغي التنبيه عليه.

ولذلك في قرون الإسلام الأولى ما كانت توجد هذه الترجمات، ولا كانوا يترجمون معاني القرآن، وإنما كانوا يحرصون على كل من دخل الإسلام أن يعلموه اللغة العربية، حتى سادت اللغة العربية وانتشرت لغة القرآن، وأصبحت هي اللغة الأم لأهل الإسلام، وهي اللغة التي يرجع إليها بين المسلمين، وهي اللغة التي يعتزون بها.

فكانت لها مقاصد شرعية عظيمة في جمع المسلمين وتآلفهم وقوتهم؛ لأن اللغة لها تأثير على الشعوب والأمم كما لا يخفى، وهذا معروف في التاريخ، وحتى في طبائع البشر والأمم والشعوب، لكن من ناحية قراءة القرآن لا تجوز قراءته إلا باللسان العربي.

وأما نقل المعاني فلا بأس به؛ لأنه لا يمكن أبداً لأي لسان أن يأتي بالإعجاز الموجود في اللغة العربية، مثلاً قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة:٢٢٣] كيف تترجمه؟ وإذا ترجمته فكيف تدخل المعاني والأسرار العربية في الترجمة؟ لأن في كلمات وألفاظ القرآن معانٍ ونكت ولطائف لغوية لا يمكن أبداً أن تظهر مع الترجمة، وقوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:١٨٧] كيف يمكن ترجمته إلى لغة غير اللغة العربية؟ وهذا من فضل الله عز وجل، وليس هذا من باب الافتخار باللسان أو نحوه، وإنما هذا من بيان فضل الله عز وجل الذي يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى وضعها في هذه اللغة وهذا اللسان، فلا يستطيع أي لسان أن يأتي بالمعاني التي يتضمنها هذا اللسان والدلائل التي فيه.

ولذلك لما ترجمت معاني القرآن وقع إحراج في نفس الترجمة، فإلى الآن لا تستطيع أن تجد ترجمة تستطيع أن تؤدي المعنى المقصود؛ لأن اللسان العربي يرمي بالكلمة الواحدة في بعض الأحيان إلى عدة معان.

كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:٢٢٨]، القرء: هو الحيض، وهو الطهر، فيحتمل الحيض ويحتمل الطهر، ولو قلت بالطهر فله وجه، ولو قلت بالحيض فله وجه، فكيف تترجمها؟ فإن جئت تترجمها بالحيض خالفك أنها تحتمل الطهر، وإذا جئت تترجمها بالطهر خالفك أنها تحتمل الحيض.

وكذلك قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير:١٧]، فالعرب تقول: عسعس الليل وتقصد من ذلك بداية دخوله، وتقول: عسعس الليل وتقصد من ذلك بداية خروجه ودخول النهار، فتقصد به دخول ظلمة الليل وعند انتهاء الليل، وهذا ما يسمى بالمشترك.

فإذا كان قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير:١٧] مشتركاً -وإن كان في الآية قرينة تدل على ترجيح أحد الوجهين- فما هي اللغة التي تحتوي هذه الأسرار والمعاني؟! وصدق الله حيث قال: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ} [الأعراف:٥٢]، فأتى بـ (قد) التي تفيد التحقيق وثبوت الشيء دون مرية، واللام المؤكدة (وَلَقَدْ)، ثم التعبير بالعظمة وفي قوله تعالى: (جِئْنَاهُمْ)، ففصله سبحانه وتعالى الذي أحسن كل شيء وأتمه وأكمله جملة وتفصيلاً سبحانه، فهو يقص الحق وهو خير الفاصلين.

فهناك أسرار في هذا اللسان العربي لا يمكن أبداً لأي لغة أو لسان أن يحتملها، وخذ قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:٢٣٧]، فالذي بيده عقدة النكاح يحتمل أن يكون ولي المرأة، ويحتمل أن يكون الزوج، وإن جئت تريد ترجمتها فعلى أي معنى ستترجمها؟ وعلى أي وجه من هذه الأوجه؟ فعلى كل حال أسرار اللغة موجودة في القرآن، والآية الواحدة يجتمع عليها العلماء فيجدون فيها من النكت واللطائف ما لا يمكن أن يحصى كثرة.

وانظر إلى آية الوضوء، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ.

} [المائدة:٦]، فهذه الآية اجتمع عليها علماء الفنون، في اللغة واللسان، والقراءات، والفقه، وعلوم الحديث فاستنبطوا منها ألف مسألة.

وقال الإمام ابن العربي رحمه الله في أحكام القرآن: اجتمع علماؤنا لكي يحصلوا الألف مسألة فما وصلوا إلا إلى ثمانمائة مسألة.

وثمانمائة مسألة خير كثير في هذا اللسان البديع الغريب، وهذه قدرة من الله سبحانه وتعالى.

بل إن الألسنة سوف تحار عندما تقرأ قوله تعالى: (الر) كيف تترجمها؟ وكيف تستطيع أن تدخل المعاني التي تراد من هذه الحروف فيها؟ ثم كيف تجعله يقرأ وهناك حروف في اللسان العربي ما هي موجودة في غيرها من اللغات والألسنة؟! مع العلم أن النقل بالمعنى اختاره بعض العلماء، كما قيل: والنقل بالمعنى على المنصورِ ورأي الأربعة والجمهور فيجيزون نقل القرآن بالمعنى، أي: ترجمة معنى القرآن، ولذلك لا يقال: ترجمة القرآن وينبغي إذا كتبت هذه التراجم أن يكتب عليها أنه لا يجوز للمسلم أن يقرأ هذه الترجمة معتقداً أنها قرآن، ولا يجوز الاستشهاد بها أيضاً على أنها من القرآن، وإنما يقال: إن هناك آية تدل على كذا.

لأنه لا يجوز نقل القرآن بالمعنى، فلا يجوز أن يقال: قال الله تعالى فيما معناه.

مثلما يقال في الحديث القدسي، إنما تأتي -إذا قلت: قال الله تعالى- بمنطوق الآية ونصها دون تغيير ولا تبديل.

فالواجب على هذا أن يقتصر على اللسان العربي عند قراءة القرآن؛ لأن العلماء أجمعوا واتفقوا على تحريم الترجمة الحرفية لكتاب الله عز وجل.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>