قال رحمه الله:[حلق الشعر]: وهو المحظور الأول، والمراد بذلك جزّه، وجزّ الشعر يكون بالموس ويكون بالسكين وما في حكمهما من الآلات.
أي: يحرم على المحرم أن يحلق شعره، والأصل في ذلك التحريم قوله سبحانه وتعالى:{وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة:١٩٦]، وقد قال عليه الصلاة والسلام:(إني لبدت شعري وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر)، فلا يجوز لمن أحرم بالنسك أن يحلق شعره.
وعمم رحمه الله في الشعر، فشمل شعر أعالي البدن كشعر الرأس وشعر اللحيين والشارب، وكذلك شعر الصدر وشعر اليدين، وأسافل البدن، فيشمل ما يكون حول الفرجين، وعلى الساقين، فكل ذلك حظر على المحرم أن يزيله.
وتقع الإزالة بالحلق كما تقع بالنتف، وكذلك بالتقصير، فهذه ثلاثة أوجه للاعتداء على الشعر: إما بالحلق، وإما بالتقصير، وإما بالنتف، فالحلق والنتف كلاهما في حكم واحد، والتقصير دلت السنة على أنه في حكم الحلق، أي: من ناحية التأثير وإن كان دونه من ناحية الفضل، ولذلك يصح أن تتحلل من العمرة والحج بالتقصير كما تتحلل بالحلق، فأنت منهي عن قص الشعر كما أنك منهي عن حلق الشعر، وهما في مرتبة واحدة من حيث الحكم، وإن كان الحلق أفضل من التقصير.
وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم أن يحلق كما لا يجوز له أن يقصر؛ لأن الله عز وجل نص على هذا التحريم في كتابه، وكذلك نتف الشعر، كنتف شعر الإبطين ونحو ذلك، فهذا بالإجماع يعتبر محرماً، خلافاً لمن شذ في مسألة النتف، فإن النتف فيه إزالة أبلغ من إزالة الحلق، وعلى هذا فلا يجوز له أن يحلق، ولا أن يقصر، ولا أن ينتف، سواء كان التقصير لأغلب الشعر أو كان لأقله، فلو أخذ قدراً يسيراً من الشعر وقصه فإنه كأخذ الشعرة نفسها، فالتقصير في حكم الحلق سواء بسواء.
فحلق الشعر محظور من محظورات الإحرام، والعلماء رحمهم الله أجمعوا عليه، لكن بينهم خلاف في بعض التفاصيل، أما من حيث كونه محظوراً فهذا ليس فيه خلاف بين أهل العلم رحمهم الله.
قال بعض العلماء: إن الله عز وجل ابتلى الحاج بأن يكون على شعث وعلى حالة وهيئة تخالف حال المترفّه، ولذلك يترك الشعر حتى يكون أبلغ في تقربه لله سبحانه وتعالى، وأبعد عن الترفّه الذي يشغله عن العبادة.