قال المصنف رحمه الله: [وفي (إذا حضت نصف حيضة) تطلق في نصف عادتها] لاحظ الفرق، والعلماء يرتبون المسألة على المسألة، فأنت تقول: إن حضت حيضة كاملة، فمعناه: أنه لو خاطبها بهذا الشرط أثناء حيضها، فإننا نلغي الحيضة التي وقع عليها الشرط، وننتظر إلى طهرها وحيضها من بعد، فلو انقطع حيضها فلا تطلق، وإن حاضت حيضة تامة بعد هذا الشرط حكمنا بطلاقها بمجرد تمام الحيض، ولو قال لها: إن حضت نصف حيضة فأنت طالق، ننظر حينئذٍ إلى عادتها فإن كانت عادتها ثمانية أيام، فمعناه: أن نصفها أن تحيض أربعة أيام، فتتفرع مسائل عديدة، منها: أنه لو قال لها: إن حضت نصف حيضة وكانت قد مضت ثلاثة أيام فإننا نعتد بالأربعة أيام، ونحكم بطلاقها بمضي أربعة أيام بعد الثلاث، فتكون طالقاً في اليوم السابع عند من يوقع الطلاق في الحيض، وإن مضى أربعة أيام وبقيت أربعة أيام فتطلق بعد تمام اليوم الثامن الذي هو الطهر، لكن لو قال لها: إن حضت نصف حيضة وكان قد بقي من عادتها ثلاثة أيام وحيضتها ثمانية أيام فإنها تلغى هذه الحيضة كلها، وتنتظر إلى الحيضة الثانية، فلو أنها توفيت قبل الحيضة الثانية، أو انقطع حيضها قبل الحيضة الثانية لم يتبعها طلاقها.
فالمسائل كلها تترتب عليها أحكام، إذا علقت الطلاق على شرطٍ معين كلاً أو جزءاً تراعي الكلية في ما يشترط فيه الكلية، والجزء فيما يشترط فيه الجزء، فإن بقي من زمان الحيض ما يتحقق به وصف النصف أو الربع -على حسب ما يذكر من شرطه- حكمنا بوقوع الطلاق بعد ذهاب ذلك العدد الذي اشترط فيما بينه وبين ربه أن زوجه تطلق به.
هذا بالنسبة لمسألة: إن حضت حيضة، وإن حضت نصف حيضة، فانظر إلى ترتيب المصنف، فهي ثلاث مسائل: المسألة الأولى: إن حضت، ومتى حضت، وأي وقتٍ تحيضين، فحينئذٍ نحكم بالطلاق بمجرد دخولها في الحيض على القول الراجح بأن أقل الحيض لا حد له، وأما عند من يشترط اليوم والليلة، أو يشترط ثلاثة أيام فلا نحكم بطلاقها إلا إذا بقي الدم يوماً وليلة، أو بقي ثلاثة أيام على الخلاف المذكور، وأما على القول بأن قليل الحيض وكثيره سواء فتطلق بمجرد دخولها في الحيض، هذه هي المسألة الأولى، ووجه هذه المسألة أن الرجل طلق امرأته فيما بينه وبين الله إذا دخلت في حيضٍ، فبمجرد دخولها في الحيض تطلق.
المسألة الثانية: يعطي شرطاً أوسع من شرط الدخول، فيقول لها: إن حضت حيضة كاملة، فلا يكفي دخولها في الحيض، ولا يكفي ابتداؤها الحيض أو شروعها في الحيض بل ننتظر إلى تمام عادتها فلو قال لها وهي طاهر: إن حضت حيضة كاملة فأنت طالق فحاضت يوم السبت وماتت الأحد فهي في عصمته، ولا يتبعها طلاقه؛ لأنها لم تحض حيضة تامة كاملة.
المسألة الثالثة: إن قال لها: إن حضت نصف حيضة أو ربع حيضة فننظر إلى عدد أيام عادتها ونحكم بالطلاق مجزأ فإن قال لها: إن حضت نصف حيضة، لم يخل من حالتين: إما أن يتكلم به قبل الحيض فنقول: بمجرد ما تبتدئ الحيضة المستقبلة الآتية نحسب عدد النصف، ونطلقها في نصف عادتها التي ستأتي، هذا إذا كان وقع كلامه قبل الحيض، فتطلق في نصف العادة الآتية، وإما إن قال هذا الكلام أثناء الحيض نظرنا: فإن بقي من أيام عادتها ما يعادل النصف فأكثر طلقناها بمجرد مضي عدد الأيام التي تستوعب نصف العادة، وحينئذٍ نحكم بأنها طالق، فإن مضى من عادتها يومان وعادتها ثمانية، فنحكم بكونها طالقاً بعد مضي أربعة أيام بعد اليومين أي: بعد السادس، ولا ننتظر إلى النصف الثاني وإنما نقول: تتجزأ بالأيام، وأما لو كان اعتد به كاملاً وجعل الطلاق على الحيض كاملاً فالعبرة بكماله، أو جعل الطلاق على بعضه، فالعبرة بذلك البعض، أو جعل الطلاق بمجرد تيقن دخول الحيض وحكمنا بالطلاق.
وتبين بهذا أن قوله: إن حضت حيضة تامة، أهون من قوله: إن حضت، أو إن حضت نصف حيضة، فإن قوله: إن حضت، مراده: بمجرد دخول الحيضة فيكون طلاقاً بدعياً، وإن قال: إن حضت نصف حيضة فيكون قبل الحيض بدعياً، وإذا بقي من عادتها النصف يكون سنياً؛ لأنه إذا قال لها: إن حضت نصف حيضة، في أثناء الحيض، وبقي من حيضها النصف فمعناه أنها ستطلق بعد طهرها، فيكون سنياً، فافترق الحكم، والحاصل: أن الطلاق يكون بدعياً إن قصد مجرد وجود الحيض إن حاضت، ويكون سنياً إن قال: إن حضت حيضة تامة، لأنه يقع بعد الطهر، فبمجرد دخولها في طهرٍ لم يجامعها فيه يقع الطلاق سنياً، ويكون محتملاً إن قال: نصف حيضة، فإن قال ذلك قبل الحيض فبدعيٌ؛ لأنه سيقع في نصف العادة، وإن قاله وقد بقي من عادتها ما يستوعب النصف فأكثر فبدعي أيضاً؛ لأنه سيبقى من حيضها يوم أو يومان فيقع الطلاق وهي حائض، وإن قال ذلك ولم يبق إلا القدر الذي اشترط فسنيٌ لأنها تطهر ويكون حينئذٍ طلاقها في طهرٍ لم يجامعها فيه.