[الحكم إذا أصر الغاصب على نقل الزرع]
الحالة الثانية: أن يقول رب الأرض: أريد الزرع أن يبقى، ويقول الغاصب: أريد أن آخذ زرعي، فحينئذٍ يجبر رب الأرض على تمكين الغاصب من أخذ زرعه ونقله؛ لأن رب الأرض وصاحب الأرض يملك الأرض، والزرع ليس ملكاً له، فيترك صاحب الزرع ينقل زرعه.
فإذا قال: أريد أن آخذ زرعي، وقال رب الأرض: بل تتركه وأعطيك قيمته، لم يفرض على الغاصب أن يتركه، وحينئذٍ يمكّن من نقل هذا الزرع، وتسري الأحكام التالية: أولاً: يطالب بضمان المدة التي أمضاها غاصباً، فيدفع أجرة الأرض طيلة مدة الغصب، فلو مكث سنتين وهو غاصب للأرض دفع أجرة السنتين.
ثانياً: يطالب بقلع هذا الغرس في أقرب مدة، ولا يماطل ولا يتأخر، فكل تأخير وكل مماطلة إذا كانت بنوع من التلاعب فيستحق التعزير عليها، وإذا كانت بدون تلاعب خارجة عن إرادته ضمن أجرة مدتها -أي: إجارتها- لصاحب الأرض.
ثالثاً: بعد قلع الغرس يطالب بتسوية الأرض، وإعادتها كما كانت.
فإذاً: يطالب بالقلع، ثم يطالب بالأجرة، ثم يطالب بتسوية الأرض وإعادتها كما كانت، فيردم الحفر بعد نقل النخل، وكما هو معلوم في الزراعة أنه لا يمكن نقل النخلة لوحدها، بل تنقل بترابها حتى لا تفسد، ففي هذا يقول بعض العلماء: تضرب هذه الجذور ويقلع منها التراب، حتى إن بعض العلماء أو بعض القضاة من علماء المسلمين كان يأمر بوضع هذه الجذور حتى يستخلص منها التراب، وتخرج النخلة بجذرها فقط؛ لأن التراب ملك لصاحب الأرض، وهذا من أبلغ ما يكون في إحقاق الحق وإبطال الباطل.
ولا شك أن الأصول تدل على هذا، لكن بعض العلماء تسامح في هذا وقال: إنه قد يفسد النخل، ومادام أنه يمكن ردم هذه الحفر ببديل يضمن له مثل الأرض، فيقوم بدفن هذه الحفر، ثم بعد الانتهاء من دفع الأجرة وقلع النخل وتسوية الأرض ينظر في حال الأرض، فإن كانت الأرض قد تشوهت وأصبح حالها بعد قلع الغرس منها مشوهاً ينقص من قيمتها قيل له: اضمن النقص، فيؤتى بأهل الخبرة الذين لهم معرفة في الأراضي، ويقال: كم قيمة الأرض قبل أن تغتصب؟ يقال: قيمتها مائتا ألف، يقال: بعد أن سويت وبعد أن وضعت بهذا الشكل كم قيمتها؟ يقولون: صارت مائة وثمانين، فيضمن له العشرين ألفاً التي هي فرق ما بين القيمتين؛ لأن ذلك كان بسبب الغصب.
هذا من حيث حكمه: وجوب القلع على الغاصب، ثانياً: تسوية الأرض وإعادتها على الحالة التي كانت عليها، ثالثاً: ضمان النقص، رابعاً: ضمان الأجرة.
هذه الأحكام مبنية على أدلة شرعية، فنطالبه بقلع الغرس؛ لأن الأرض ليست بأرضه، وإنما هي أرض أخيه المسلم وليس لعرق ظالم حق، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ليس لعرق ظالم حق)، والعرق: قال بعض العلماء: عرق الشيء جذوره التي يقوم عليها، فإذا كان ليس له حق في هذا فمن باب أولى ما بني عليه، كأنه يقول: إذا انهدم الأصل انهدم ما بني عليه.
وبعض العلماء يقول: العروق تنقسم إلى أربعة أقسام؛ قسمان منها باطن، وقسمان منها ظاهر، فالغاصب إما أن يكون له عرقان باطنان، وإما أن يكون له عرقان ظاهران.
فالعرقان الظاهران: البناء والغرس، والعرقان الباطنان: الآبار والعيون، فالبناء والغرس: كأن يغتصب الأرض فيبني فيها أو يغرس فيها فليس له حق، كما صلى الله عليه وسلم: (ليس لعرق ظالم حق).
وأما العرقان الباطنان: كأن يحفر بئراً أو يجري عيناً، ففي هذه الحالة يطالب بردم البئر وكذلك ردم العين وإعادة الأرض كما كانت؛ لأنه ليس له حق لا في الظاهر ولا في الباطن لنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا إذا كان قد زرع فيها زرعاً مما تطول مدته فيطالب بهذا.