[عيوب الخيار المشتركة بين الرجال والنساء]
قال رحمه الله: [واستطلاق بول] لأنه يؤذي في الجماع، فعندنا ما يمنع الجماع مثل: الرتق، وكذلك أيضاً القرن، وعندنا ما يؤذي ولكنه لا يمنع من الجماع كاستطلاق البول، وكذلك استطلاق النجو، وعندما يقرأ طالب العلم المتون الفقهية يجد أن العلماء رحمهم الله يقررون هذه المسائل للوصول للضوابط وهذه المسائل ما هي إلا أمثلة؛ لأن الضابط يدور حول المنع من الوطء، ومتى يكون للزوج الحق في فسخ النكاح؟ ومتى يكون هذا العيب مؤثراً؟ قال: [واستطلاق بول ونجو] استطلاق البول والغائط يكون مرضاً مزمناً، لكن إذا كان في حال دون حال فهذا لا يؤثر، إنما المراد أن يكون عيباً ثابتاً ويشهد أهل الخبرة أو قرينات المرأة أو أهلها بأن يقولوا: نعم، نعرف فلانة أن معها استطلاق البول، أو نعرف أن معها استطلاق الغائط الذي هو استطلاق النجو، فهذا كله من العيوب المؤثرة التي توجب الخيار للرجل والفسخ.
قال: [وقروح سيالة في فرج] القروح السيالة مثل السيلان وهي نوع من أنواع أمراض الزهري -أعاذنا الله وإياكم منها- ونحو ذلك من الأمراض المعدية الخطيرة، فإذا ثبت أن المرأة بها هذا المرض وموجود فيها فإنه حينئذٍ من حق الرجل أن يطالب بالفسخ؛ لأنه يستضر إذا جامعها، فهناك ضرر بجماعها أثناء الجماع وضرر إذا انتهى من جماعها؛ لأنه تنتقل إليه العدوى، وعلى هذا فإنه يعتبر من العيوب المؤثرة.
قال: [وباسور وناسور] الباسور: يكون في المقعدة، والباسور والناسور واستطلاق البول واستطلاق النجو والقروح السيالة تكون في الرجل والمرأة وليس خاصاً بالنساء، فمن الممكن أن يكون السيلان في الرجل وممكن أن يكون -أعاذنا الله وإياكم- في المرأة، وممكن أن يكون الباسور والناسور في الرجل وممكن أن يكون في المرأة، فهذه من العيوب المشتركة التي لا تختص لا بالرجال ولا بالنساء.
قال: [وخصي] فإن هذا يضر الرجل في حال جماعه وكذلك في ذريته.
قال: [وسل] قطع الخصية وسل الخصية: إخراجها مع وجود اللحم، ورض الخصية: الوجاء، وضرب العروق، هذا كله من العيوب المؤثرة؛ لأن هذا يؤثر في جماع الرجل ويؤثر في رغبته في المرأة، ولذلك تتضرر المرأة بهذا فإنها تكون منكوحة لبعض الرجل لا لكل الرجل وهذا يضرها، ويضر حتى ذريتها.
قال: [وكون أحدهما خنثى واضحاً] فإنه حينئذٍ لا يجوز؛ لأن الخنثى لا يجوز نكاحها، فلو أنه تزوج امرأة على أنها امرأة فتبين أنها خنثى فإنه حينئذٍ يكون من حقه الفسخ، فلو كانت امرأة أصلها خنثى، يعني: كانت خنثى ثم تبين أنها امرأة، بمثل: ظهور الثدي وظهور علامات النساء فيه، وظهر أنه امرأة وثبت كلياً أنه امرأة فلما جاء الرجل يتزوج تزوجه على أنه امرأة ثم تبين أنه خنثى، فحينئذٍ من حقه الفسخ؛ لأن هذا عيب ونقص في الخلقة ولو أنه كمال في الصورة، يعني: زيادة في الصورة لكنه نقص في الخلقة، وعيب مؤثر في الخلقة وعلى هذا يكون له حق الفسخ.
وهكذا لو تزوجت المرأة رجلاً على أنه رجل ثم ظهر أنه خنثى فإن هذا يعتبر موجباً للفسخ؛ لأن جماع الرجل الخنثى ليس كجماع الرجل المحض، وكذلك جماع المرأة الخنثى ليس كجماع المرأة المحض، وهذا من العيوب المؤثرة.
قال: [وجنون ولو ساعة] الجنون: من جن الشيء إذا استتر، وسمي البستان جنة؛ لأنه يستر من بداخله، والجنون استتار العقل وذهابه كلية إما لكل الوقت أو لبعضه، فإن كان لكله فهو جنون مطبق، وإن كان لبعضه فهو جنون متقطع، فالجنون -أعاذنا الله وإياكم- في الرجل أو المرأة إذا ثبت أنه مجنون سواءً كان جنونه متقطعاً أو كان جنونه مستديماً مطبقاً فإن من حق المرأة أن تطلب الفسخ، وكذلك الرجل من حقه أن يطلب الفسخ إذا تبين أن زوجته مجنونة، سواءً كان جنون أحدهما متقطعاً أو مستديماً فكله عيب.
قال: [وبرص] الله سبحانه وتعالى إذا ابتلى الإنسان بالبرص قد يكون في هذا علو درجة له، ولا شك أنه إذا كان مؤمناً فهو علو درجة له في الدنيا والآخرة، والله يعلي قدره بهذا البلاء ويعظم أجره، فلا شك أنه بلاء في ظاهره ولكنه رحمة في باطنه، وإذا نقصت خلقة الإنسان فكل نقصٍ في خِلقته يعوضه الله عز وجل عنه من الأجر والمثوبة، وقد تكون له درجة في الجنة لا ينالها بكثير صلاة ولا صيام فيجعل الله له هذا البلاء سبيلاً إليها، وأما كون البرص عيباً في النكاح فهو من وجهين: الوجه الأول: أن البرص في الجبلة والفطرة يؤثر على المرأة في جماعها وعلى الرجل في جماعه، فهو مؤثر في الجماع، فكما أن العيوب الحسية تؤثر في الجماع فكذلك العيوب المعنوية تؤثر في الجماع، فالبرص يؤثر من ناحية معنوية ويؤثر من ناحية النسل والذرية، فهو يؤثر من الوجهين، ولذلك فيه ضرر قاصر وضرر متعدٍ، وعلى هذا يعتبر مؤثراً، ويستوي أن يكون البرص مطبقاً عليه كله أو يكون في بعض أعضائه ولو كان في بعض الأعضاء الخفية، بخلاف البهق فإن البهاق ليس بعيبٍ موجبٍ للفسخ، لأنه لا يعتبر من البرص ولا يأخذ حكم البرص من حيث العيوب، ولكنه يعتبر عيباً إذا كان برصاً محضاً سواءً كان في كل الأعضاء أو بعض الأعضاء.
قال: [وجذام] كذلك الجذام نوع من الأمراض -نسأل الله العافية- تساقط فيه الأعضاء، فهذا من الأمراض المعدية وفيه ضرر معنوي وضرر حسي، ويتعدى ضرره إلى المرأة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) فالمرأة تتأثر بهذا النوع من المرض وكذلك الرجل.