[جواز شرب الخمر في إزالة غصة اللقمة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه من سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يباح شربه للذة ولا لتداوٍ ولا عطش ولا غيره إلا لدفع لقمة غص بها].
تقدم معنا تحريم شرب الخمر، وأن هناك بعض المسائل استثنيت من هذا التحريم، وذكرنا مسألة التداوي، وبيّنا خلاف العلماء رحمهم الله فيها، وبعد هذا ذكر المصنف رحمه الله ما يستثنى من تحريم شرب الخمر، وهي حالة الضرورة، عندما يخشى الإنسان أن يموت ويهلك، وقد ذكر الأئمة والعلماء رحمهم الله من المتقدمين والمتأخرين مثالاً على ذلك بالغصة.
والغصة صورتها: أن يأكل طعاماً فيغص، فإذا لم يشرب ما يفك غصته فإنه ستتلف نفسه وتهلك روحه، وحينئذٍ تكون حالته حالة اضطرار يخشى فيها عليه الموت، وهذه المسألة تعرف بإساغة الغصة بالخمرة، وهي مسألة قديمة، وعامة أهل العلم على الترخيص، وأن المسلم يباح له في هذه الحالة أن يشرب الخمر بقدر ما يسيغ هذه الغصة، ويذهب الخطر والضرر.
إذاً: يشترط أول شيء أن يكون هناك خوف على النفس، بمعنى: أن يغلب على ظنه أنه سيموت.
ثانياً: ألا يجد شيئاً غير الخمر مما هو دون الخمر أو من المباحات يمكن إساغة الغصة به، فإن وجد ما دون الخمر فإنه يقدمه، فلو وجد ماءً فبالإجماع يحرم عليه أن يشرب الخمر؛ لأن الأصل أن الخمر محرمة، لكن لو أنه وجد نجاسة -أكرمكم الله- كالبول، فهل يقدم الخمر أو البول؟ كلاهما نجس، قال بعض العلماء: يقدم البول على الخمر؛ والسبب في ذلك: أن البول لا حد ولا عقوبة في شربه، ولكن الخمر فيه عقوبة، والوعيد فيه أعظم، فيقدم شربه للبول على شربه للخمر.
ولو وجد ماءً متنجساً وبولاً وخمراً، فأيهما يقدم؟ قالوا: يقدم الماء المتنجس؛ لأن الأصل أنه مطعوم، لأن الله وصف الماء بكونه طعاماً فقال: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة:٢٤٩]؛ ولأن الماء الأصل حِلّه، والنجاسة عارضة عليه، بخلاف البول الذي يحكم بنجاسته بقوة أقوى من الماء المتنجس.
وعلى هذا: يشترط ألا يوجد بديل، وهذه قاعدة تضعها معك أنه لا يفتى بالرخص مع وجود البديل المباح، وبجميع مسائل الرخص لا يمكن لعالم أو فقيه أن يفتي فيها بالرخصة مع وجود البديل.
وإذا خاف الموت ولم يجد بديلاً عن الخمر، فيُشترط الشرط الثالث: أن يكون شربه للخمر بقدر الحاجة والضرورة، فلا يزيد عن قدر حاجته، وإنما يقتصر على قدر إساغة اللقمة أو ما غص به؛ لأن القاعدة تقول: (ما جاز للضرورة يقدر بقدرها)، فلا يجوز له أن يزيد عن القدر الذي تندفع به الغصة.