للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم تزوج الحر المسلم بأمة مسلمة]

قال رحمه الله: [ولا ينكح حر مسلم أمة مسلمة إلا أن يخاف عنت العزوبة لحاجة المتعة أو الخدمة ويعجز عن طول حرة أو ثمن أمة] قوله: (ولا ينكح حر مسلم أمة مسلمة) هذا المانع يسمى: بمانع الرق، تعرفون أن الرق في الإسلام لا يختص بجنس ولا بلون ولا بطائفة ولا بطبقة، إنما هو لمن كفر، فإذا كفر وحاد الله ورسوله وشاق الله ورسوله، ووقع الجهاد الشرعي بالصفة الشرعية، وأذن الإمام في الرق، حينئذٍ كانت منقصة من جهة الكفر، فالحر المسلم إذا تزوج مثل هذا النوع الذي في أصله على الكفر فإن هذا يضر بولده ويضر بذريته؛ لأن الولد يتبع أمه رقاً وحرية؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش)، وهذا من حق الولد على والده.

فالحر المسلم لا ينكح الأمة إلا بشرطين، وهذان الشرطان لا بد من تحققهما للحكم بالجواز وقد جمعتهما آية النساء: الشرط الأول: أن لا يستطيع طول الحرة، يعني: ليس عنده مال ولا قدرة على الزواج من حرة، فلو كان أقل زواج الحرة يكلف مثلاً خمسة آلاف، وليس عنده خمسة آلاف، والنص على اشتراط العجز في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء:٢٥].

الشرط الثاني: أن يخشى على نفسه الزنا، والنص على الشرط الثاني قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النساء:٢٥]، ومع ذلك فضّل الصبر، رعاية لحق الولد.

فهنا شرطان: أولاً: أن يخاف على نفسه الزنا.

وثانياً: ألا يملك طولاً.

فإن كان قادراً على الصبر صبر؛ وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: (ومن يصبر يصبره الله، ومن يستعفف يعفه الله).

وأما بالنسبة لما يلتحق بمسألة خوف العنت، ألحق بعض العلماء الخدمة، كأن يكون مثلاً رجلاً كبير السن ولم يجد حرة يتزوجها، قالوا: يجوز أن يتزوج أمة، وفي هذه الحالة يتزوجها لوجود الحاجة والضرورة كما ذكرنا.

فمانع الرق هو أن لا يجوز أن ينكح حر مسلم أمة، فجاز للعبد أن ينكح الأمة للمساواة، وهذا تفريق من الشرع لا أحد يتدخل فيه، ولا يحق لأحد أن يقول: الإسلام يفرق أو ما يفرق، والله لو فرق الإسلام بين أرواحنا وأجسادنا لنعمت عيوننا، ويخسأ أعداء الإسلام، ولا نجلس ونحاول تحليل بعض الشبهات ونهدر جانب العبودية.

فالمرأ إذا وجد حكماً من أحكام الله عز وجل، والمرأة إذا وجدت حكماً من أحكام الله عز وجل في أمر فرق الله عز جل فيه بين مجتمعين، أو ساوى فيه بين مختلفين أو متضادين في الحكم، ما يملك الواحد منا إلا أن يقول: سمعنا وأطعنا، ولا نتكلف الرد ونجلس نحلل وكأننا مهزومون أمام أعدائنا، نقول للعدو: رغم أنفك، وعلى رغم أنفك نقبل ذلك، نعم نحن نفرق، وهناك فرق بين الرجل والمرأة نعم، وتقول المرأة بملء فِيها: رضيت بما يحكم الله عز وجل به، نعم ترضى بذلك وتؤمن به وتسلم به؛ حتى يخسأ عدو الله، أما أن نجلس نلفق ونقول: إن الإسلام لا يقبل هذا إلا في حالات اضطرارية وفي حالات استثنائية، ولا يبيح الرق إلا في حالة كذا وكذا، هذه أحكام شرعية لا يتدخل فيها المكلف، ولا يقيد شيئاً أطلقه كتاب الله وأطلقته سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحاول أن يتكلف في الجواب عن شبهة هي من أصلها ساقطة؛ لأن أهل الشبهة يريدون من المسلم أن يقف موقف المهزوم، لكن لو أننا اعتدنا كلما جاءنا أعداء الإسلام بشبهة نقول: نعم، نرضى بذلك وإن رغم أنفك البعيد، نعم رضينا بذلك، وأبو بكر رضي الله عنه حينما جاءه كفار قريش وقالوا: قد زعم صاحبك أنه ذهب إلى بيت المقدس، قال: هو يقول ذلك؟ -وما زاد على هذا- قالوا: نعم، قال: صدق.

هو قادر أن يقول: إن الله على كل شيء قدير، وإن الله من قدرته قادر على أن يبين لهم، لكن أراد أن يخسئهم، قال: هو يقول ذلك؟ قالوا: نعم، قال: صدق.

ولو أن كل امرأة مسلمة من نساء المؤمنين كلما دخل عليها داخل بالشبهات تقول: نعم رضيت، الإسلام يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، نعم رضيت بملء قلبي وملء لساني، وما الذي يضرني؟ لا يضرني شيء؛ لأني أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله بحكمه حكيم عليم، فمثل هذه الأمور ينبغي وضعها في الحسبان.

فحينما يجعل الإسلام للرجل الحر أن يتزوج الأمة بشروط فهذا حكم الإسلام، ومن عايش الوضع، يعني حينما يكون الإسلام في زمان بينه وبين ملة تخالفه وتضاده وتعاديه، وهذا مشاهد فإن عدو الإسلام إذا تركته جاءك، فلابد للإسلام أن تكون له الكلمة، فلما امتنع هذا من قبول كلمة الإسلام، ووقف وأشهر السلاح في وجه الإسلام، والله عز وجل بحكمه من فوق سبع سماوات أمرنا بقتال هؤلاء، وأباح لنا استرقاقهم، ويصبح العبد مسلوب الحرية، ثم نأتي ونقول: لا ما يسلب الحرية، ما يضرب عليه الرق، ونجد من يقول: ما يضرب الرق إلا في حالات، والإسلام فتح أبواب الخروج من الرق، مع أن الكافر يسترق الحر أكثر من استرقاق الإسلام له، والإسلام لما استرق أعطى حقوقاً تعجز الأمم كلها عن الإنصاف فيها مثلما أنصف الإسلام.

فالمقصود أننا ننبه على أنه لا ينبغي العجز أمام أعداء الإسلام في مثل هذه الشبهات، في مسألة النكاح؛ لأن هذه من الشبهات التي أثيرت، يقولون: انظروا كيف يفرق الإسلام! مع أنهم هم يفرقون بين طبقات مجتمعاتهم وبيئاتهم تفريقاً أسوأ من التفريق الذي يفرقه الإسلام.

فالمقصود: أن حكم الإسلام أنه يجوز للحر أن ينكح الحرة، لكن لا يجوز له أن ينكح الأمة إلا بشروط، وهذا شيء قرره الله عز وجل وأثبته في كتابه، لا يملك المسلم إلا أن يقول: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:٢٨٥]، فمانع الرق ثابت ومعتبر على التفصيل الذي بينَّاه ووضَّحناه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>