[إذا خصص الجعل لشفاء المريض فلا يستحقه الراقي إلا بتمام شفائه]
كذلك مما ينبغي على الراقي: أن يعلم أن الجعل إذا خُصص لشفاء المريض فليس هو كالجعل الموضوع على مجرد القراءة، فهناك فرق بين أخذ الجعل على الشفاء، وبين أخذ الجعل على مجرد القراءة.
فإذا اتفق العاقدان -الجاعل والمجعول له- على أنه إن شفي هذا الممسوس بإذن الله عز وجل فسيعطيه ألفاً؛ لم يجز له أن يأخذ منها شيئاً حتى يشفى شفاءً تاماً.
وبناءً على ذلك: فإن فعل بعض أصحاب الرقية كما يفعل الطبيب، فيجعل حالات كشف، وكلما جاءه مريض أخذ منه قدراً معيناً؛ سبعين ريالاً أو مائة ريال على الكشف، فهذا لا يستقيم مع مسألة الرقية، فالرقية باب مخصوص له ضوابطه، والجعل له أحكامه، والإجارة الطبية لها أحكامها، فهذا شيء وهذا شيء، وقد نبهنا على هذا غير مرة.
وجمهرة أهل العلم -فهو شبه اتفاق بين العلماء- على أن الجعل إذا وضع على شيء فلا تستحقه -ولو جئت بثلاثة أرباع الشيء- إلا إذا جئت به تاماً كاملاً.
ولو شفي هذا الممسوس وظلت تنتابه النوبة يوماً في السنة؛ لم يشف، ولا يستحق الجعل كاملاً حتى يشفى شفاءً تاماً كاملاً؛ لأنه جعل المال من أجل شيء مخصوص يفوت بفواته كله أو بعضه.
وهذا أمر لا يفرق فيه البعض، وهو أمر مهم جداً، حتى في أمور الطب؛ فإن الطبيب إذا جاءه المريض من أجل الشفاء وقال له: أعالجك وتشفى بإذن الله؛ لم يستحق أن يأخذ شيئاً من المال حتى يشفى المريض شفاءً تاماً.
ومن هنا يحصل -بعض الأحيان- أكل المال بالباطل، فإذا جاء المريض عند الطبيب ووصف له المرض، فشخص المرض وأعطاه دواءً وعالجه، ثم تبيّن أن المرض ليس هو الذي قرره الطبيب؛ لم يستحق شيئاً، ويكفي أن المريض يدفع أجرة كشفه، ثم يدفع أجرة التشخيص، ثم يدفع بعد ذلك أجرة علاج لا يمت إلى مرضه بصلة، فبأي حق أكل هذا المال؟ وبأي وجه؟ إنه بالباطل، فإذا المريض للعلاج وكشف عليه وقال: عندك كذا، وقرر أن عنده مرضاً معيناً، وعالجه على أن عنده مرضاً، وتبين أنه ليس عنده ذلك المرض؛ فإنه يضمن له ذلك كله؛ لأنه غرر به؛ بل قد يعرضه للموت والهلاك؛ لأنه ربما يصرف له دواءً يضر بصحته، وقد يؤدي إلى تلف أعضائه.
فهذه الأمور لابد من وضع الموازين لها، ولابد من وضع الأمور فيها في نصابها، حتى لا تؤكل أموال الناس بالباطل، وسواءً كان ذلك في الرقية أو في العلاج والمداواة، فأموال الناس محرمة إلا أن يأذن بها أهلها.
فيشترط أن يكون هناك المقصود الذي من أجله شُرعت الرقية، ومن أجله اتفق العاقدان على الجعل، ولابد من وجوده.
كذلك مما يترتب على ما ذكرناه من الأمور التي ينبغي توفرها في الراقي: أنه لا يجوز أن يتقلد هذه الرقية من كان جاهلاً، فالجاهل يعرض أرواح الناس وأجسادهم للضرر.
وفي هذه الحالة أيضاً إذا وضع في الحسبان معالجة النساء؛ والرقية على النساء فإن هذا يتضمن كشفاً لعوراتهن، وسماعاً لأصواتهن، وربما يكون فيها بعض الفتنة، وربما تُكشفت، فلا يجوز أن يقوم بهذه الرقية وأن تكشف هذه المحظورات والمحرمات إلا عند الضرورة، ولمن هو أهل، أما أن يتقلد الرقية كل من هب ودب، وكل من أراد أن يقرأ على الناس يقوم بذلك فلا، ولابد أن يرجع إلى أهل الخبرة، وأن يسألهم وأن يتعلم منهم كيفية العلاج وآداب الرقية، وكيف يقوم بعمله على أتم الوجوه وأكملها.