للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كيفية مسح الرأس]

والسُّنَّة في مسحه لشعره: أن يبدأ من مُقَدَّمِه حتى يبلغ قفاه، ثم يَرُدَّه إلى مُقَدَّمِه، هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه وأرضاه قال: (بدأ بمُقَدَّم رأسه حتى بلغ قفاه ثم ردهما إلى الموضع الذي بدأ منه).

وقال بعض العلماء: بل يبدأ من القفا حتى يَقْدُم إلى المُقَدَّم، ثم يعود إلى القفا، واحتجوا بقوله: (أقْبَلَ بهما وأدْبَرَ) قالوا: أقْبَلَ بهما، أي: من القفا إلى المُقَدَّم، وأدْبَرَ، أي: ردهما إلى القفا.

والصحيح: أن قوله: (أقْبَلَ بهما وأدْبَرَ) مجمل، وأن قوله: (بدأ بمُقَدَّم رأسه) مفصِّل مبيِّن، والقاعدة: (أن المفصِّل والمبيِّن مُقَدَّمٌ على المجمل).

الأمر الثاني: أن قوله: (أقْبَلَ بهما) استقام استدلالهم به على أن (أقْبَلَ) على الحقيقة؛ ولكن المعروف في لغة العرب أنهم يقولون: أقْبَلَ وأدْبَرَ، ومرادهم: أدْبَرَ ثم أقْبَلَ، وهذا معروف، ومنه قول امرئ القيس يصف جواده: مِكَرٍّ مِِفَرٍّ مُقْبِلٍِ مُدْبِرٍ معاً كجلمود صخرٍ حطَّه السيل مِن عَلِ (مِكَرٍّ مِفَرٍّ) فالكَرَّ لا يكون إلا بعد الفِرار، يفِر الإنسان أولاً ثم يكُر، فالفارس أول ما يفعل: يفِر، ثم بعد ذلك يكر، فلذلك قال: (مِكَرٍّ مِفَرٍّ) فقدَّم كونَه يَكُرُّ على العدو على فِراره.

كذلك قوله: (مُقْبِلٍِ مُدْبِرٍ معاً) فإن الأصل: أنه أدْبَرَ أولاً ثم أقْبَلَ على العدو.

وهذا معروف في اللغة.

فيكون قول الصحابي: (أقْبَلَ بهما وأدْبَرَ) على هذا المعنى؛ أنه أدْبَرَ ثم أقْبَلَ.

وعلى هذا لا يستقيم الاستدلال به على الوجه الذي ذكروه.

وهناك وجه ثالث قال: نجمع بين الحديثين: (أقْبَلَ بهما وأدْبَرَ) أي: معاً، فيضع يديه في منتصف الرأس، فيُقْبِل باليمنى ويُدْبِر باليسرى.

والصحيح: ما ذكرناه؛ من أن قوله: (أقْبَلَ بهما وأدْبَرَ) المراد به: أدْبَرَ بهما ثم أقْبَلَ للرواية المبيِّنة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>