تقدم معنا في كتاب الطهارة ضوابط المستحاضة والفرق بينها وبين الحائض، وبينا أن دم الاستحاضة دم فساد وعلة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة) فقوله عليه السلام: (إنما ذلك عرق) اختلف فيه هل هو العاند أو العاذر أو العاذل، وقد بينا هذا وبينا سبب تسميته بهذه الأسماء، وهو دم فساد وعلة، فإذا استحاضت المرأة وجرى معها الدم على هذا الوجه فإنه لا يمكن ربط العدة بها -بالنسبة للمستحاضة-؛ فإذا نسيت عادتها -يعني: كانت لها عادة قبل أن ترتبك ثم نسيتها- مثل: امرأة كانت عادتها خمسة أيام أو ستة أيام ثم ذهبت في غيبوبة أو حصل لها حادث، ثم أفاقت من غيبوبتها ورجع لها عقلها ولم تتذكر كم كانت عادتها، واستحيضت، فحينئذٍ هي معتادة في الأصل لكنها أنسيت عادتها.
وعلى كل حال: إذا أنسيت عادتها بأي وجه من الوجوه وأصبحت مستحاضة فلابد من أمرين: لابد أن تكون مستحاضة لا تستطيع أن تميز الحيضة عن استحاضتها، ونسيت أيام عادتها، فحينئذٍ تعتد بالأشهر، وتنقل إلى حكم المعتدات بالأشهر، وبعض العلماء يفصل فيها وعندهم كلام كثير في هذا النوع من النساء، ومنهم من يجعلها ترجع إلى التمييز، وترجع إلى غالب الحيض وتحتسب غالب الحيض كما يقع في العبادة، وقد تقدم معنا حديث الترمذي -والذي حسنه غير واحد من العلماء رحمهم الله ومنهم الإمام البخاري رحمة الله عليه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة التي استحيضت وقالت:(إني أثج ثجاً، فقال عليه الصلاة والسلام: تحيضي في علم الله ستاً أو سبعاً) فجعل عادتها ستة أيام أو سبعة.
لكن الإشكال عندهم أنه لابد أن تنسى عادتها من كل الوجوه، وقالوا: في الحديث لم تنس من كل وجه، ويمكن أن تحتسب عادتها في أول الشهر أو منتصف الشهر أو آخر الشهر، وقال الحنابلة: نرجع إلى الأشهر، قالوا: لأنها إذا أنسيت العادة وقلنا: تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في بداية الشهر يحتمل أن تكون عادتها في آخر الشهر، وحينئذٍ ربما حكمت بخروجها وهي لا زالت في عصمة زوجها الأول، ومن هنا قالوا: نقطع الشك باليقين ونقول: ثلاثة أشهر لكل حيضة منها شهر؛ لأنه يحتمل أن تكون حيضتها في أول الشهر ويحتمل أن تكون في منتصف الشهر، ويحتمل أن تكون في آخر الشهر، والأصل أنها زوجة ولا تخرج من الزوجية إلا بيقين، فنقول: إذا اعتدت ثلاثة أشهر فقد جزمنا أنها قد خرجت من عدتها.