[دية الأعضاء التي في الإنسان منها شيء واحد]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب ديات الأعضاء ومنافعها].
تقدم معنا أن الديات تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: يتعلق بالديات من ذوات الأنفس، فإذا كانت الجناية بالقتل فإن الدية تكون كاملة.
وأما القسم الثاني: فهو الجناية على ما دون النفس، وتقدم بيان الديات إذا كانت متعلقة بذوات الأنفس، فبينا فيها دية المسلم والكافر، على اختلاف أنواع الكافر، وكذلك أيضاً دية الرجل والمرأة ودية الجنين.
بعد هذا شرع المصنف رحمه الله في بيان الدية المتعلقة بما دون النفس، وما دون النفس ينقسم إلى قسمين: الأطراف وغير الأطراف، فالجناية إذا كانت على الأطراف، مثل: أن يقطع عضواً كاليد أو الرجل أو الأذن أو الأنف ونحو ذلك.
وإما أن تكون جناية على منفعة الطرف، أو جناية بالشجاج أو الكسور.
فهذه كلها تتعلق بالجناية على ما دون النفس، والديات إذا بحثها العلماء رحمهم الله فيما دون النفس: إما أن يبينوا دية العضو والطرف إذا قطع وأبين، وإما أن يبينوا دية منفعته، وإما أن يبينوا دية الشجاج، وإما أن يبينوا دية الكسور.
هذه أربعة مباحث سنتكلم عليها، وسيبينها المصنف رحمه الله: الأول: يتعلق بدية الأعضاء إذا قطعت وأبينت، وهو الذي يسميه العلماء رحمهم الله: بإبانة الطرف، فإذا قطع يده أو قطع أنفه أو أذنه، فإنه تجب عليه الدية في ذلك العضو الذي قطعه.
الثاني: تكون الجناية على منفعة العضو، لا على العضو نفسه، فلو ضربه ضربة -والعياذ بالله- أذهبت سمعه، أو أذهبت بصره، أو أذهبت شمه، فهذه منفعة من المنافع، العضو موجود ولكن منفعة العضو غير موجودة, وحينئذ يكون الضمان للمنافع.
الثالث: يتعلق بالشجاج، وهي الجروح التي تكون في الوجوه؛ خاصة في الرأس.
والمبحث الرابع والأخير: ما يكون من الكسور؛ سواء كانت الكسور تامة أو قاصرة أو ناقصة، كل هذا سيبينه العلماء رحمهم الله في قولهم: (باب ديات الأعضاء ومنافعها).
إذا كان الأمر يتعلق بأربعة أشياء: الأعضاء، منافع الأعضاء، الشجاج، الكسور، والمصنف رحمه الله قسم هذه الأربعة إلى بابين: الباب الأول: يتعلق بالأعضاء ومنافعها.
والثاني: يتعلق بالشجاج والكسور.
ففي الموضع الأول الذي سنبحثه اليوم -إن شاء الله تعالى- يتعلق بديات الأعضاء ومنافعها، والذي يليه سيتعلق بالشجاج والكسور.
قسم هذا الباب إلى قسمين: الأول: يتعلق بديات الأعضاء، والثاني: يتعلق بمنافع الأعضاء.
قال رحمه الله: [من أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد؛ كالأنف واللسان والذكر، ففيه دية النفس].
الأعضاء في بدن الإنسان تنقسم إلى أقسام: القسم الأول: ما كان منه في الإنسان شيء واحد، مثل ما ذكر المصنف رحمه الله؛ كاللسان والذكر.
وهناك أعضاء في الإنسان منها شيئان، مثل: الأذنين، والعينين.
وهناك أعضاء في الإنسان فيها ثلاثة أشياء منقسمة وهو: الأنف؛ لأن الأنف ينقسم إلى منخرين وحاجز بينهما.
النوع الرابع: ما في الإنسان منه أربعة أشياء: كالأهداب والأجفان.
النوع الخامس والأخير: ما في الإنسان أكثر من أربعة أقسام: مثل الأسنان والأصابع.
هذا بالنسبة للأقسام الرئيسة الموجودة في أعضاء الإنسان، وابتدأ المصنف بما في الإنسان منه شيء واحد، فقال رحمه الله: [من أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد].
أجمع العلماء رحمهم الله على أنه إذا كان العضو واحداً في البدن وقطعه أن عليه الدية كاملة، وهذا له أحاديث وأصول وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة في كتاب عمرو بن حزم رضي الله عنه الذي كتبه عليه الصلاة والسلام لأهل اليمن.
يقول رحمه الله: [من أتلف.
] الإتلاف أصله: الإفساد، والمراد هنا: أن يقطع العضو كاملاً، أو يبينه من الجسد إبانة كاملة، فلو كان الإتلاف ناقصاً مثل: أن لا يقطع العضو كاملاً، ولكن يقطع نصف العضو، أو ربع العضو، أو ثلث العضو، فحينئذ تكون الدية بحصة ما قطع، فإن قطع النصف فالنصف، وإن قطع الربع فالربع، فمثلاً: لو قطع نصف اللسان، وأذهب نصف الحروف، فعليه نصف الدية، ولو أنه قطع نصف الأذن فعليه ربع الدية؛ لأن كل أذن فيها نصف الدية، فإذا قطع بعضها وأتلف بعضها، وكان هذا الإتلاف بقدر النصف، فإنه حينئذ يكون نصف النصف: الربع، فيكون عليه ربع الدية، ولو أنه قطع ثلث الأذن فحينئذ يكون ثلث النصف بالنسبة للأذن اليمنى، أو الأذن اليسرى.