لو أن المستعير الثاني أخذ السيارة إلى المدينة وهو يظن أن السيارة ملك للمستعير الأول وتلفت، من الذي يضمن؟ في هذه الحالة: يضمن المستعير الثاني؛ لأن المستعير وإن كان معذوراً لكنه أخذها بيد العارية؛ لأنه قال له: أعرني، فأعاره، فليس عنده شيء يسقط الضمان، والعارية توجب الضمان؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:(بل عارية مضمونة).
إذاًَ: هناك صورتان: الصورة الأولى: أن يكون المستعير الثاني عالماً باعتداء المستعير الأول؛ فيلزمه ضمان الأجرة وضمان العين إن تلفت تحت يده، أولاً: يلزمه ضمان الأجرة؛ لأنه تصرف في مال الغير بدون إذنه، وثانياً: ضيع عليه منفعة هذا الشيء فوجب عليه ضمانها، وثالثاً: يلزمه ضمان العين؛ لأنه قد اغتصب تلك العين فأخرجها إلى موضع لم يؤذن له بإخراجها إليه.
الصورة الثانية: إذا كان المستعير الثاني لا يعلم، أو ظن وجود الإذن، أو ظن أن المستعير الأول مالك حقيقي لها؛ فوقع في التصرف بشبهة الملكية أو بشبهة الإذن، فإنه في هذه الحالة يأخذ حكم المستعير، إلا إذا أخذها إجارة، فله حكم ثانٍ، فإن أخذها استعارة من المستعير الأول يكون عليه ضمانها؛ لأن المستعير يضمن ولا أجرة عليه، والأجرة على المستعير الأول لا الثاني، وتلزم الأجرة المستعير الأول في هذه الصورة الثانية؛ لأنه غرر بالمستعير الثاني وتصرف في مال غيره بدون إذنه، فضمن قيمة المنفعة.
أما لو أن المستعير الأول أجرها للشخص الثاني، فحينئذٍ الإجارة لا ضمان فيها إلا إذا تعدى، فلو قال المالك الحقيقي للمستعير الأول: خذ بيتي هذا واسكنه شهراً، فأخذه المستعير الأول وذهب إلى محمد وقال: يا محمد! هذا البيت لي -وكذب عليه- خذه وأسكنه شهراً بمائة، قال: قبلت، فأصبح الشخص الثاني مستأجراً لا مستعيراً، يعني: إما أن يغرر به مستعيراً أو يغرر به مستأجراً، إن غرر به مستعيراً ضمن؛ لأن يده يد ضمان، وإن غرر به مستأجراً ضمن الأجرة ولا يضمن العين إن تلفت؛ لأن يد الإجارة لا ضمان فيها إلا بالتعدي، كما تقدم في باب الإجارة.
قال رحمه الله:[وعلى معيرها أجرتها].
هذه هي الحالة التي ذكرناها، إذا غرر بالمستعير الثاني فإنه يلزمه ضمان الأجرة على التفصيل الذي ذكرناه؛ فإذا كان المستعير الأول مغرراً بالمستعير الثاني ضمن الثاني الأجرة، والمستعير الأول حينئذٍ يضمن الأجرة ويضمن العين بالعارية، ولا يضمن الثاني؛ لأن يده يد أمانة.