ثم أوصي هؤلاء الطلبة المميزين، أولاً بتقوى الله عز وجل، وبأن يحمدوا الله سبحانه وتعالى أن اختارهم فحضروا الدروس كلها، والله إن الإنسان يقف بعد مرور سنوات فيقول: سبحان الله! الله قادر أن يبتلي عبده بالمرض أو بالنسيان، أو بالشواغل الله قادر على كل شيء، مَن الذي يسر وسهل لنا هذا؟ الفضل لله وحده لا شريك له.
وأوصي هؤلاء أن يستشعروا نعمة الله عليهم حتى يبارك لهم في النعمة التي أوتوها، فيحرص كل الحرص على التضحية والصبر والتحمل والتجمل، وتبليغ رسالة الله عز وجل ما أمكن، وأسأل الله أن يمدهم بعونه وتوفيقه وتيسيره، وأن يفتح لهم من أبواب فضله ما لم يخطر لهم على بال، وهذا رجاؤنا وأملنا في الله، ونرجو الله أن لا يخيب رجاءنا فيه.
ويحرص هؤلاء الطلاب الجيدون الممتازون على ما يلي: أولاً: أن يوطنوا أنفسهم بضبط العلم، وأسألهم بالله عز وجل أن لا يقولوا علينا إلا ما قلناه، وأن يفرقوا بين العبارة التي نقول ونقلهم عنا بالمعنى، فلا يأتي شخص ويقول: قال الشيخ كذا وكذا، وهو قد نقل بالمعنى، ولكن يقول: الذي أفهم من كلام الشيخ كذا، والذي أفهم من فتواه كذا، أما أن يحفظ نص كلام الشيخ ويقول: قال الشيخ كذا وكذا، فهذه أمانة ستسأل عنها أمام الله عز وجل.
ثانياً: أوصي بالتقيد بالعبارات، وهو من أفضل ما وجدناه بركة للعلم، أنك لا تجلس عند عالم ولا تقرأ كتاباً إلا وتحرص أن تنقل نفس العبارة والكلمة، ولذلك قال الله:{اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ}[الأحقاف:٤]، والإنسان يأتي بالأثر والشيء كما هو وكما حفظه وكما رآه، قال أبو شريح الوليد بن عمرو بن خزاعة رضي الله عنه:(أبصرته عيناي، وسمعته أذناي، ووعاه قلبي)، يقصد النبي صلوات الله وسلامه عليه، وذلك من شدة التحري والضبط أبصرته عيناي إذ يتكلم، وسمعته أذناي إذ نطق صلوات الله وسلامه عليه، ووعاه قلبي لما قال، وهذه هي الرحمة، يقول صلى الله عليه وسلم:(نضَّر الله امرأً -وفي رواية: رحم الله امرأً- سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها) والعلم ربما نقل بالمعنى فيحدث أموراً كثيرة، وكذلك أيضاً التقيد بما سمع، وأن لا يحمل العبارات ما لا تتحمل.
ثالثاً: الدقة في ضبط المسائل ونقلها، فالمسائل تحتاج إلى نوع من التركيز والدقة، خاصة مسائل الفقه والأحكام، وخاصة إذا كان الذي يفهم من العوام، فينتبه الإنسان في العبارات التي يقولها، فمن الناس من يقرأ الفقه فيتحدث بكلام العامة، فإذا جاء يشرح كتاباً كأنه يتكلم كلاماً عاماً، فيأتي بعبارات هزيلة، ولربما يأتي بأمثلة من الأسواق، وهذا لا ينبغي، بل ينبغي عليك أن تصون نفسك، وأن تحفظ قولك، وإذا جلس معك طلاب العلم فتتقي الله عز وجل وتشرف العلم، وتتكلم كلام العلماء، ولا تتشدد ولا تبالغ في العبارات، فإذا كان الذي يقرأ عليك عامياً يكون تركيزه وضبطه وسطاً بين الإفراط والتفريط، فلا تبالغ في تنميق العبارات، إنما تأتي بعبارة علمية صحيحة، تعلم أن هناك شيئاً وهو شرح الكتاب، وأن هناك فتاوى، وعلم الكتاب له طريقة، وعلم الفتاوى له طريقة، وليس كل من حضر كتاباً يستطيع أن يقرأه، وليس كل من استطاع أن يشرح كتاباً يستطيع أن يفتي في المسائل، وليس كل من استطاع أن يعلم ويفتي يستطيع أن يقضي.
فهذه كلها تحتاج إلى أهلية وضبط وتمكن، لكن إذا كنت تريد أن تذاكر مع إخوانك وخاصتك فحينئذ تحرص على أن تتقيد بالعبارات ما أمكن، هذا الذي أفضل أن يكون عليه طالب العلم.