[الشرط الثاني: المماثلة في الاسم والموضع]
قال رحمه الله: [الثاني: المماثلة في الاسم والموضع].
أي: يشترط أن يتماثلا في الاسم ويتماثلا في الموضع؛ لأن أصل القصاص المساواة والتماثل، فإذا اختلف الاسم واختلف الموضع فإنه لا قصاص، فإذا أخذ الجاني يد المجني عليه اليسرى فيجب أن نأخذ يده اليسرى، وحينما يأخذها من مفصل الكف نأخذ من مفصل الكف، وهكذا.
ولا يجوز أن تؤخذ اليسرى باليمنى ولا اليمنى باليسرى؛ إذ لابد من التماثل في الاسم والموضع.
ولذلك قال رحمه الله: [فلا تُؤخذ يمين بيسار ولا يسار بيمين].
ولو أنهما تراضيا على ذلك، فنقول: لا، حتى ولو تراضيا، فلا تؤخذ اليد إلا بمثلها مستوية في الاسم والموضع؛ لأن موضع اليد اليمين ليس كموضع اليد الشمال، والجناية في موضع اليمين ليست كالجناية في موضع الشمال، وأخطر ما تكون الجناية في اليسار؛ لأنها جهة النزف للقلب، وأكثر المنافع في اليمين؛ لأن اليمين غالباً يكتب بها، ويتعاطى بها الأشياء المنتفع بها الصالحة والطيبة.
فعلى كل حال موضع اليمين ليس كموضع اليسار، واسم اليمين ليس كاسم اليسار، فلا تؤخذ يد يسرى بيد يمنى ولا العكس.
قال رحمه الله: [ولا خنصر ببنصر]: أي: ولا يؤخذ الخنصر بالبنصر، فلو قطع الخنصر - وهو الأصبع الصغير- من المجني عليه، فقال الجاني: اقطعوا بنصري، فنقول: لا يقطع إلا الخنصر الذي قطعت مثله، وسواءٌ أوجد الخنصر أو أم يوجد، فإن لم يوجد الخنصر وقال: اقطعوا البنصر، فنقول: لا يقطع إلا ما قطعت، ولا يبتر إلا ما بترت، ولا يجدع إلا ما جدعت.
قال رحمه الله تعالى: [ولا أصلي بزائد ولا عكسه].
هذه المسألة سبقت الإشارة إليها، فلو كان عنده أصبع زائد، فجاء الجاني وقطع الأصبع الزائد، فلا نقول: اقطعوا أصبعاً من أصابعه؛ لأن الجاني ليس له أصبع زائد، والأصبع الزائد ليس كالأصبع الأصلي.
ومن هنا تفرعت مسألة الخنثى المشكل، فقالوا: إنه إذا قُطع من الخنثى المستبين الذكر شيءٌ من فرج الأنثى وقطعته الأنثى، لم يقتص منها؛ لأنها لم تقطع عضواً أصلياً، والشفر في حق الجانية شفر أصلي، وبناءً على ذلك لو أننا حكمنا بالقصاص في هذه الحالة فقد ظلمنا الجانية؛ لأن المجني عليه لا ينتفع بهذا العضو، وليس هناك مساواة بين هذا العضو ومثله في الجاني.
ومن هنا فُرِّق بين العضو الزائد والعضو الأصلي، فلا ينظر إلى كونه عضواً أصبعاً، أو شفراً، أو ذكراً فحسب، فإذا كانت أنثى فقُطع منها الذكر فإنه لا يقطع الأصلي بالزائد، إذاً فالجناية إذا كانت متعلقة بالزوائد يعدل فيها إلى الضمان.
قال رحمه الله: [ولا عكسه].
أي: لو أن الجاني خنثى استبانت امرأةً فقطعت ذكر رجل، فإن الذكر بالنسبة لها زائد، ولا يقال: إن القصاص تحقق من كل وجه، ولذلك لو بتر فلا تتحقق المساواة.
قال رحمه الله: [ولو تراضيا لم يجز].
قوله هذا إشارة إلى خلاف بين العلماء، فقد قال بعضهم: إذا تراضيا جاز، كما أنه من حق المجني عليه أن يتنازل عن حقه، فلو جنى على أصبع أصلي فقال المجني عليه: اقطعوا الزائد، أو جنى على زائد فقال المجني عليه: اقطعوا الأصلي.
وتراضيا على ذلك، فإنه جائز عند هذا الفريق من العلماء؛ لأن هذا حق المجني عليه، فإذا رضي جاز، ولكن اختار المصنف رحمه الله وهو مذهب طائفة من العلماء أنه لا يجوز وإن تراضيا، والمنصوص عليه عند الجمهور أنه لا يؤخذ الأصلي بالزائد ولا الزائد بالأصلي.
وبعضهم فرق وقال: إن أخذ الزائد بالأصلي فله وجه إذا رضي صاحب الأصلي؛ لأنه دون حقه، فإذا رضي به كان له ذلك.