[حكم النماء المنفصل في الصداق إذا طلق قبل الدخول]
قال رحمه الله: [وإن طلق قبل الدخول أو الخلوة فله نصفه حكماً دون نمائه المنفصل].
هذا محل إجماع: أن الصَدَاق يتشطر إذا طلق الزوج زوجته قبل الدخول لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:٢٣٧] فأثبت الله سبحانه وتعالى للزوج نصف المهر وللزوجة نصف المهر، وهذا ما يسميه العلماء بالتشطير.
أما إذا دخل بها فإن المهر يكون لها كاملاً؛ لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء:٢٤] وكذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها).
فإذاً المهر له حالتان: - أن يتشطر ويكون للمرأة نصف المهر، إن وقع الطلاق قبل الدخول.
- أن يكون لها المهر كاملاً، إن وقع الطلاق بعد الدخول.
فإذا ثبت أن المرأة لها نصف المهر إن وقع الطلاق قبل الدخول، فحينئذٍ هذا المهر المعين لو كان له نماء فإن نصف المهر بنمائه يكون ملكاً لها مادام أنه قد فرضه وسماه، وذلك لقوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة:٢٣٧] فنص سبحانه وتعالى على نصف المفروض، والمفروض تملك المرأة أصله ونماءه المتصل.
والنماء المتصل مثل السِّمَن، والزيادة بالصفات، والزيادة بالأجزاء، وسبق وأن ذكرنا في كتاب البيوع تفصيلات النماء المتصل والمنفصل في خيار العيب وفصلنا في ذلك.
قوله: (أو الخلوة) إذا خلا الرجل بالمرأة الخلوة التي يمكن فيها الزوج من وطء الزوجة ولم يطأ، فإنه يثبت لها المهر كاملاً بتلك الخلوة، كما لو قال: أريد زوجتي، فجاء وليها ومكنه من الدخول بها، فدخل واختلى بها لكنه لم يصبها، فإنها لما مكنته من نفسها كان التقصير منه.
وحينئذٍ يكون حقها كاملاً، كالأجير: إذا استأجرت شخصاً ومكنك من نفسه أن يعمل عندك يوماً كاملاً ولم تطالبه بعمل، فإنه عند نهاية اليوم يستحق أجرته كاملة؛ لأن التفريط منك أنت، وأنت الذي تتحمل مسئولية عدم مطالبته بالعمل.
فالرجل هو الذي يتحمل مسئولية عدم الدخول بها، فهناك دخول حقيقي ودخول حكمي: الدخول الحقيقي: أن يدخل ويطأ ويصيبها ويستمتع بها.
والدخول الحكمي: أن يُمكن من الدخول، ولا يكون هناك أي عائق من جهة المرأة يمنعه من إصابتها ولا يصيبها.
لكن لو أن وليها مكنه من الدخول واختلى بها، فأراد أن يصيبها، فدفعته ومنعته فإنها لا تستحق المهر كاملاً؛ لأنه في هذه الحالة وإن دخل في الظاهر لكنه لم يدخل في الحقيقة؛ لأنها لم تمكنه من نفسها.
فإذاً الدخول الحكمي شرطه أن لا يكون هناك مانع من المرأة يمنع من إصابته لها.
(فله نصفه حكماً) أي: قهراً، وهذا من جهة انتفاء الخيار، كالحضانة ونحوها يحكم بها ولا خيار، وكذلك الوصايا من الميت تكون للموصى له حكماً ولا يملك الخيار في إسقاطها.
(فله نصفه حكماً) لأن الله سبحانه وتعالى نص على ذلك: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:٢٣٧] فيثبت هذا النصف له، والله عز وجل حكم بذلك من فوق سبع سماوات.
وله بعد ذلك أن يتنازل عن هذا النصف، وقد اختلف العلماء في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:٢٣٧] فقوله سبحانه: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:٢٣٧] يعتبره علماء التفسير وعلماء الأصول من المشترك، وهو المتردد بين معنيين، لأن الاسم الموصول وصلته في قوله: {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:٢٣٧] هو من الاشتراك بالأسماء الموصولة، وهو متردد بين شخصين إما أن يكون الذي بيده عقدة النكاح هو الولي، وإما أن يكون الزوج، فالولي بيده عقدة النكاح؛ لأنه هو الذي يوجب عن موليته وينشئ العقد عن موليته، والزوج أيضاً بيده عقدة النكاح؛ لأنه يملك تطليق المرأة ويملك أيضاً العقد على المرأة، فاختلف العلماء في ذلك، وإن كان الأقوى من جهة المقابلة: أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، فيعفو الزوج عن النصف ويسامحها ويترك لها المهر كاملاً، وذلك أقرب إلى التقوى وأعظم أجراً له.