[صور الصداق وأحكام زكاته]
قال المصنف رحمه الله: [ومن كان له دين أو حق من صداق أو غيره].
قوله: (من كان له دين أو حق من صداق أو غيره) الدين شيء والحق من الصداق يختلف، الصداق للمرأة، وقد يقع الصداق ديناً، فيشبه الدين ويأخذ حكم الدين إذا كانت المرأة قد طالبته بالسداد، مثلاً إذا قال: زوجتك بنتي بعشرة آلاف مثلاً، فقال: قبلت، ثم بُتّ النكاح على أن العشرة آلاف تكون حالّة، فيكون الزوج مطالباً بالعشرة آلاف حالة، فقال الزوج: هذه خمسة آلاف، وإذا يسّر الله الباقي أعطي الباقي، فالدين الذي عليه خمسة آلاف، فحينئذٍ في هذه الحالة، يكون الزوج مديوناً للزوجة مطالباً بالوفاء عند القدرة، متى؟ إذا كان قد بتّ.
وألزمه بالمهر بالعقد، فحينئذٍ قال: أنا عاجز الآن، ولكن إذا يسّر الله، هذا ثلث الصداق، هذا ربعه، هذا جزءٌ منه، هذا نصفه، فإن يسّر الله السداد أعطيتك، ففي هذه الحالة يكون في حكم الدين، إن كان الزوج قادراً على السداد والمرأة قادرة على مطالبته وقد تركت مالها لثقتها ببعلها وزوجها، فتزكيه لكل سنة؛ لأنه في حكم المال الذي في اليد، وكأنه مودع ومحفوظ عند الزوج، والودائع تزكّى، هذا إذا كان الزوج قادراً على السداد، والمرأة تستطيع أن تطالبه في أي وقت.
لكن لو أن الزوج بعد دخوله بالزوجة قد أعطى نصف المهر، ثم إنه افتقر ولم يستطع أن يسدد النصف الباقي، فحينئذٍ نقول: إن هذا النصف الذي بقي يأخذ حكم المديون المعسر، فلا يجب على المرأة أن تزكي هذا الدين الذي لها على زوجها حتى يسددها الزوج ولو بعد مائة سنة، فإذا سددها ولو بعد عشر سنوات أو عشرين سنة فإنها تزكي لسنة واحدة، على التفصيل الذي ذكرناه، لماذا؟ لأن الزوج لما عجز عن السداد كانت العشرة آلاف التي هي دين عليه كأنها مفقودة، فهي وإن كانت ديناً للزوجة على زوجها لكنها في حكم المفقود، فلا يجب عليها أن تزكي حتى يستطيع السداد، فإذا استطاع السداد وطالبته وأعطى وسدد ولو بعد عشر سنوات وجبت عليها زكاة سنة واحدة، على الأصل الذي قررناه، فلو أنها بعد عشر سنوات تمكن الزوج من السداد، فقالت له: اترك العشرة عندك مثلاً، فمن حين قولها: اتركها عندك حينئذٍ تستقبل الحول، كل حول يأتيها يجب عليها الزكاة؛ لأن المال أصبح وديعة أو شبه وديعة عند الزوج، ولما كان الزوج قادراً على السداد كان المال وإن لم يكن بيد الزوجة لكنه في حكم الذي بيدها، نظراً لوجود الغنى والقدرة على السداد هذه حالة أولى للمهر.
الحالة الثانية: أن لا يبتّ الزوج وإنما يعلق بقية الصداق على الطلاق والفراق، فيقول له: زوجتك بنتي بعشرين ألفاً، عشرٌ منها حالة ويجب عليك سدادها وإعطاؤها، وعشرٌ منها إذا طلقتها، فحينئذٍ تكون العشر الحالّة لا إشكال فيها، وحكمها حكم الأصل، حتى لو أنه عجز عنها يكون حكمها حكم ما ذكرناه من التفصيل السابق، لكن لو قال له: إذا طلقتها، فهذا فيه نظر، وهو: هل صداق المرأة مستحق بالعقد أو بالدخول؟ فإن قلنا: مستحق بالعقد أو بالدخول فقد وجب هذا الدين، وثبت على الزوج بمجرد دخوله بها أو بمجرد عقده عليها، ويسري فيه التفصيل الذي ذكرناه، ويكون الإنظار إلى الطلاق أشبه بالوديعة، كأنه تركه وديعة عنده، فتزكيه لكل سنة.
وإن قلنا: إن بقية الصداق في حكم الدين المؤجل، فلا يجب عليها أن تزكي إلا إذا وقع الطلاق، فإن وقع الطلاق استقبلناه، فإن كان قادراً على السداد وجب عليها أن تزكيه، وإن كان غير قادر على السداد فإنها لا تزكي، حكمه حكم الدين سواءً بسواء، هذا من التفصيل الذي سبقت الإشارة إليه.
إذاً: الصداق له حالتان: إما أن يبتّه ولي المرأة ويكون لازماً على الزوج بمجرد العقد، فحينئذٍ إذا بقي شيءٌ منه فهو دين وحكمه حكم الدين، إن كان الزوج قادراً على الإعطاء والوفاء، والزوجة تستحي أو لا تستطيع مطالبته بسبب الحياء، فحينئذٍ تجب عليها الزكاة؛ لأن الدين في حكم المال الذي بيدها، والمهر كأنه بيدها.
وأما إذا كان هذا المال واجباً على الزوج، والزوج لا يستطيع وفاءه؛ لعوز ودين وفاقة؛ فلا يجب على الزوجة أن تزكيه حتى يصير الزوج قادراً على السداد، وتستقبل فيه حكم ما ذكرناه وهو القادر على السداد.
وأما إذا كان المهر أو الباقي منه قد علّقه الولي على طلاق أو فسخ أو على أمد معين، فحكمه حكم الدين المؤجل على أحد الوجهين، وعلى الوجه الآخر يسري فيه ما يسري على الديون الحالة من جهة كونه غنياً قادراً على السداد أو غير قادر على السداد.