[تعريف الحيض لغة وأحكامه]
الحيض في اللغة: السيلان.
يقال: حاض الوادي إذا سال ماؤه، وحاضت السمرة -وهي نوع من الشجر- إذا سال منها سائل كالصمغ، فيقولون لها: حاضت.
ويقال: المرأة حائض وحائضة، ونُوزع في الثاني؛ لأن الذي لا يشترك فيه الذكر والأنثى لا يؤنث.
قالوا: فيقال: امرأة حائض، كما يقال: امرأة طالق؛ لأن الرجل لا يَطْلُق، وكذلك الرجل لا يحيض، ولا يقال: امرأة طالقة أو حاملة؛ لأن هذا مما يختص به الإناث فلا حاجة للتأنيث؛ لأن الأصل في التأنيث أن يكون فيما يفصل فيه بين الذكر والأنثى مما يدخله الاشتراك.
وأما بالنسبة للاصطلاح فاختلفت تعاريف العلماء للحيض اصطلاحاً، لكن عند النظر فيها تستطيع أن تستجمع منها قولهم: دم يرخيه رحم المرأة عادة، وبعضهم يقول: دم يرخيه رحم المرأة لغير مرض أو ولادة.
فقولهم: (يرخيه) أي: يسيل منه، وقولهم: (رحم المرأة) قال بعضهم: فرج المرأة، ولكن التعبير بالرحم أدق.
وقولهم: (رحم المرأة) وخرج من هذا الرجل، وقولهم: (رحم المرأة) على التغليب، ولذلك يقولون: يشترط فيه ألا يكون لمرض أو لولادة، فإن كان لمرض: فهو استحاضة، وإن كان لولادة: فهو نفاس.
فإذا كان لمرض فهو استحاضة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما ذلك عرق)؛ وسميت الاستحاضة استحاضة؛ لأن الأصل الحيض، فإذا استمر الدم معها فوق أمد الحيض قالوا: استحاضة، وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، أي: زاد عن قدره المألوف المعروف.
وأما قولهم: (لغير ولادة) فهو إخراج لدم النفاس.
وبعض العلماء يقول: دم جبلة وطبيعة يرخيه رحم المرأة لغير ولادة، وهذا أيضاً تعبير دقيق.
فقولهم: (دم طبيعة وجِبِلة) يُخْرج دم الاستحاضة؛ لأنه لغير طبيعة وهو عارض.
وقولهم: (لغير ولادة) يُخْرج دم النفاس والمعنى كله متقارب.
أما بالنسبة للحيض فذكره المصنف رحمه الله في هذا الموضع لتعلقه بمباحث الطهارة؛ حيث يحكم بكون المرأة طاهراً، وبكونها يحل وطؤها ويحل طلاقها كما سيأتي -إن شاء الله- في الفروع المتعلقة بالحيض.
وأما بالنسبة لمناسبة ذكره بعد إزالة النجاسة: فدم الحيض دم نجس بالإجماع، وهو نوع من أنواع النجاسات، ويُحَبّب لطالب العلم -لو أمكنه- أن يقرأ بعض كلام الأطباء في هذا الدم الذي يرخيه الرحم، وينظر إلى بديع صنع الله عز وجل وعظيم حكمته، وجليل علمه سبحانه وتعالى، فلو قرأت عن الحِكَم التي توجد في هذا الدم.
في كيفية خروجه، وكيفية إرخاء الرحم له، وكيف يتهيأ ذلك الرحم لإخراجه وإفرازه، ثم كيف ينقبض بإذن الله عز وجل عند الخروج؛ لأن هذا الدم يتهيأ الرحم بعده للحمل، وتفرز الهرمونات التي تعين على الحمل، حتى إذا شعر المبيض أنه ليست هناك ولادة امتنع من إفراز هرمون الحمل، فأخذت الأوعية تتقلص، ثم أخذت تفرز ذلك الدم، فإذا به يتجلط في ذلك الموضع، ثم يرسل الله عز وجل له كالخميرة تفكك هذا التجلط، فلو مكث سنوات فإنه لا يتجلط في ذلك المكان -سبحان الله! - وهذا من عظمة الله جل جلاله.
ويوجد كلام جيد في الموسوعة الطبية التي ألفها مجموعة من الأطباء، وأيضاً للدكتور محمد بن علي البار كلام طيب في دورة الأرحام، وينبغي على طالب العلم أن يُّلم بهذه الأشياء، وبعضها قد تنبني عليه أحكام فقهية، وأرى أن طالب العلم ينبغي أن يجمع بين الفقه وفهم بعض الحِكَم والأسرار حتى يكون الفقه معيناً له على العبادة، ولذلك أخبر الله عز وجل أنه لا أحسن منه حُكماً لقوم يوقنون، أي: عندهم اليقين وعندهم الإيمان؛ لأن الإنسان إذا تأمل الأحكام الشرعية ونظر فيها أدرك عظمة الله جل جلاله وحكمته، ولو جاء بعكسها لعلم عظمة هذا الحُكم، وأنه ليس أسلم منه ولا أحسن منه ولا أكمل، وكذلك عندما تقرأ بعض الحِكم الموجودة في خلق دم الحيض وتكوينه، وكيف يخرج، وصفة خروجه، ربما أنك تستعين بها في بعض المواضع للتدليل على عظمة الله وعلى قدرته سبحانه وتعالى.
فالفقيه ينبغي أن يجمع بين مادة الفقه والحِكم والمعاني المستفادة من الفقه، ففي هذين الموضعين -في الموسوعة الطبية ودورة الأرحام- كلام جيد حبذا لطالب العلم أن يقرأه ويلمّ به، ويقولون: إن السائل الذي يفرز مع دم الحيض يقتل الجراثيم، أي: فيه من القوة على قتل الجراثيم والمكروبات الشيء العجيب، ولو نظر الإنسان إلى أن الله عز وجل لو ترك هذا الموضع دون وجود مثل هذا الشيء لربما أصيبت المرأة بكثير من الأمراض، بل إن الرجل بحكم ما يحصل من الاتصال بينهما ربما يصاب بهذه الأمراض، فالحمد لله على لطفه ورحمته بالعباد.
وهذا الباب كما قلنا باب من أبواب الطهارة، ووردت نصوص في الكتاب ونصوص في السُّنة تبين بعض مسائله والأحكام المتعلقة به، ولذلك سنبين بعضها -إن شاء الله- عند ذكر العبارات التي يذكرها المصنف، وقد نتوسع في هذه العبارات، فيحبذ لطالب العلم أن يلم بالأصل الذي نذكره، والفروع التي تنبني على ذلك الأصل.