للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إذا فسخ المالك أو العامل عقد المساقاة قبل ظهور الثمرة]

قال رحمه الله: [فإن فسخ المالك قبل ظهور الثمرة فللعامل الأجرة] الفاء للتفريع، والمعنى أنها عقدٌ جائز.

فلو أن شخصاً قال لعامل: اسق لي المزرعةَ والثمرةُ بيني وبينك فسقى ثلاثة أشهر، وكادَت الثمرة أن تخرُج قال له: انتهى العقد بيني وبينك.

وفسخ المساقاة.

فإذا فسخ رب المال المساقاة -على القول بالجواز- طولب بأجرة العامل ثلاثة أشهر، ويُعطى أجرة المثل.

وبناءً على ذلك لو أن العامل اشتغل ثلاثة أشهر، وعند أهل الخبرة والمعرفة كانت أجرة مثله في كل شهر ألف ريال، فنقول لرب المزرعة: أنت بالخيار بين أمرين: إما أن تُبقِي العقد كما هو صيانةً لحق العامل، وإما أن تعطيه أجرته تامةً كاملة خلال الثلاثة الأشهر.

فنقدِّر ما الذي عمله؟ وما الذي يستحقه؟ فأحياناً تكون أجرة العامل كل شهر ألفاً، ولكن في بعض الأحيان تكون ألفاً وخمسمائة، فمثلاً: المواسم التي يكون فيها النخل ساكناً لا يحتاج إلى عمل كثير، وقد يحتاج إلى حراثة الأرض وتسميدها ونحو ذلك، لكن يكون الجهد أكثر في تأبير النخل، وبرش النخل الذي هو إزالة الشوك، وإصلاح الأقنية وتعديلها إلى غير ذلك، فتكون أجرة العامل في مثل هذه الشهور ألفين ريال ولكن في بداية العقد أيام الكن قد تكون ألفاً.

وبناءً على ذلك لا بد أن نقدِّر له أجرته بالمثل، ونقول لرب المال: أنت بالخيار: إما أن تبقي العامل على عقده وحقه، وإما أن تعطيه أجرته تامةً كاملة من اليوم الذي عمل فيه إلى يوم فسخ العقد، هذا إذا فسخ رب المال.

قال المصنف: (وهي عقدٌ جائز)، ومن عادة العلماء والأئمة رحمة الله عليهم أنهم إذا قرروا حكماً -وهذه ميزة الفقه عند المتقدمين- فإنهم يبحثون جميع الجوانب والآثار المترتبة على هذه الفتوى والأصل، لكن ربما في بعض الأحيان يعطيك الفتوى بأنه يجوز، وقد تتفرع على القول بالجواز عشر مسائل، وهل يَنْتَظر حتى يشتكي الناس من العشر المسائل ويأتي ليبحث مرة ثانية المسألة الثانية والمسألة الثالثة والرابعة؟ كان الأولون من دقتهم وضبطهم يقررون الأصل وما ينبني عليه.

فالمصنف رحمه الله قال: (هي عقدٌ جائز)، فإذا كانت عقداً جائزاً فإن ذلك يُحدث ضرراً بين المتعاقدين؛ لأنه ممكن لرب المال أن يقول للعامل: اسق ولك النصف، فلمَّا سقى مدة ثلاثة أشهر إذا به يقول له: اخرج من مزرعتي، فإذا قال له: لماذا؟ قال: لأنها عقد ليس بلازم، ومن حقي أن أخرجك في أي وقت! ففي هذه الحالة لن يرضى العامل وسيطالِب بحقه، فتقع الفتنة وتقع الخصومة.

فقال العلماء: إذا كان عقداً جائزاً وأراد أحدهما الفسخ ففيه تفصيل، إن فسخ رب الأرض فحينئذٍ نقول له: اضمن للعامل حقه، ولا يجوز أن تضيع أجرته خلال الأشهر الماضية، وإن فسخ العامل فقال: لا أريد أن أُتِم العقد، أو حدثت له ظروف يريد أن يسافر وقال: لا أستطيع أن أُتِم العقد، فهل نعطيه أجرته أو لا نعطيه؟ قالوا: إن رب المال التزم له بجزءٍ من الثمرة، فإذا أدخل الضرر على نفسه فإنه لا يلزم رب المال بأجرته، وبذلك نضمن لكل واحد حقه.

فإذا قال العلماء: من حق العامل أن يخرج ويذهب ضاع حق رب المال، وإذا قالوا: من حق رب المال أن يفسخ ولا يعطيه الأجرة ضاع حق العامل، فكما ضمنا حق العامل في حال الفسخ ينبغي أن نضمن حق رب المال، فيُقال لهذا العامل: إن خرجت فلا شيء لك، فأنت الذي رضيت بالضرر على نفسك.

لكن يمكن العامل أن يُقيم غيره مقامه في اختيار بعض العلماء إذا كان عنده ظروف حالت دون القيام، بشرط أن يكون ذلك الغير في المهارة والخبرة والضبط والعلم مثله أو أفضل منه، فإذا أقام غيره مقامه نقول له: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فنحن لا نكلف رب المال فوق طاقته فلا نقول له: ادفع أجرة الأشهر؛ لأنه لم يتفق معك بالأشهر، وإنما أعطيناك حقك من الأشهر لأن رب المال سيضرك، أما الآن فلم يضرك أحد ورب المال ملتزمٌ بعقده وشرطه، فإما أن تمضي معه على الشرط، وإما أن تقيم غيرك مقامك على أن يكون مثلك في الأداء والكفاءة، وحينئذٍ تضمن حق رب المال، وتضمن أيضاً حقك، وإلا انصرفت راشداً ليس لك أي شيء.

قال رحمه الله: [وإن فسخ هو فلا شيء له] أي: إن فسخ العامل المساقاة؛ لأن الجملة قبلها تعود على العامل أنه يعطى أجرة المثل، فإن فسخها هو فلا شيء له.

وهنا مسألة: في حكم إضاعة العامل لحقه في أن يُساقِي على شجرٍ لا ثمرة لها، فقال له رب الأرض: خذ هذا الكافور واسقه وأعطيك ما يرضيك، فإذا دخل في هذه المساقاة فللعلماء وجهان: أولاً: العقد باطل؛ لأنه ليس بعقد مساقاة؛ لأنها شجرة لا ثمرة لها، لكن يبقى

السؤال

لو أننا أفسدنا هذا العقد، والعامل اشتغل ثلاثة أشهر وهو يسقي هذا الكافور، فهل نعطيه أجرة الثلاثة الأشهر إذا أبطلنا العقد؟ قال بعض العلماء: لا يُعطى لأنه حينما عقد هذا العقد على شجرٍ لا ثمر له رضي بسقوط حقه، مثل العامل إذا انسحب، فألحقوا هذه المسألة بهذه المسألة وقالوا: إذا عامل العامل على شجرٍ أو زرعٍ لا ثمرة له فقد أسقط حقه فلا شيء له.

وقال بعض العلماء: يُضمن له أجرة المثل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>