استثنى رحمه الله السن، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة، وكلهم متفقون على أنه لو قلع سن أخيه قلعت سنه، إذا أتلف السن كلية، فتتلف سنه كما أتلف سن المجني عليه، وتؤخذ نفس السن التي جنى عليها، سواءٌ أكانت من الأضراس، أم كانت ناباً، أم كانت غير ذلك؛ لأن الله تعالى يقول:{وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}[المائدة:٤٥]، أي: كتبنا عليهم أخذ السن -وهي سن الجاني- بالسن، والباء للبدلية، أي: بدلاً عن السن، وهي سن المجني عليه الذي ظُلم بالاعتداء على سنه، سواءٌ أكان ذكراً أم أنثى، وسواءٌ أكانت السن زائدة، أم أصلية، فلو أنه جنى على سن زائدة في أخيه وقلعها، وهو له سن زائدة مثلها، فإنه تقلع سنه بسن أخيه، ولو قلع سناً أصلية من أخيه؛ فإنه تقلع منه مثل السن التي قلعها من أخيه، والدليل على ذلك ظاهر الآية، وما ورد في السنة في حديث أنس بن النضر في قصة الربيع رضي الله عنها لما كسرت سن الجارية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كتاب الله القصاص).
أما إذا جنى عليه جناية دون القلع، فكسر له نصف سنه، أو كسر ربع سنه، ففي القصاص حينئذٍ وجهان للعلماء رحمهم الله: أصحهما وأقواهما أنه يُقتص من سن الجاني بمثل وبقدر ما اعتدى على سن المجني عليه، بشرط أمن الحيف، فلو كسر سن المجني عليه، فقال الأطباء: هذا الكسر نصف السن، أخذ من سن الجاني بقدر ما جنى، وكانوا في القديم يبردونها بالمبرد الحديد، فيأخذون نصف السن برداً، أو ربعها، أو نحو ذلك على قدر جنايته.
فالصحيح أنه يُقتص من السن، والدليل على ذلك الحديث الصحيح في قصة الربيع، فإنها كسرت سن الجارية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كتاب الله القصاص)، فأمر بالقصاص، فدل على أن السن يُقتص منها بأخذ جزء معادل للجزء الذي جُني عليه.
فإن كان الكسر على صفة لا نستطيع أن نفعل بالجاني قدرها، أو قال الأطباء: لا نأمن أن السن تتهشم، أو أن السن التي كانت في الجاني ضعيفةٌ، بحيث لو بُردت تكسرت وتشهمت، سقط القصاص وعدل عنه إلى الضمان.